وسامة وتمكن وخفة ظل جعلت منه «جان» يخطف الأبصار، عشق الكاميرا وعشقته، فطوع موهبته لها كساحر يستطيع التفنن في كل الحيل ويُخرج من كعبته ما لا يتخيله المشاهد من شخصيات، ففي «الحفيد»، هو ذلك الإنسان المكافح الذي يخشى من تحمل مسئولية الأبوة فيتفق مع زوجته على عدم الإنجاب، إلا أن والدتها كأي أم ترم ابنتها على ألا تتناول حبة من حبوب منع الحمل حتى تُرزق بمولودها الأول، وينضج محمود عبد العزيز فنيا ويدخل حلبة الكبار فيناطح رشدي أباظة ونور الشريف في رائعة عاطف سالم «ضاع العمر يا ولدي».
ولا يمر عام دون أن يطُل على جمهوره بعمل يوطد مكانته ويضيف إلى رصيده الفني شخصية مختلفة، فيدخل الماكن المحظورة ويكشف عن مكامن الخطر ليُعالج أهم القضايا في المجتمع ويناقش قضية التبني في «العذراء والشعر الأبيض» بعدما أصرت زوجته على تبني فتاة بعد محاولتها الفاشلة في الحمل ولكن لم يكن في حسبانها أن الفتاة تغرم في زوجها الذي يقوم هو بصدها وتتوالى الأحداث.
ومن «تزوير في أوراق رسمية» إلى «فقراء لا يدخلون الجنة» ثم «لك يوم يا بيه» تتغير الشخصيات ويزيد ألق الإبداع، لينُافس محمود عبد العزيز نفسه في «إعدام ميت» و«عفوا أيها القانون» و«الشقة من حق الزوجة».
ثم يقرر التمرد والخروج من القالب، في «وكالة البلح»، عام 1982، فيبدأ الساحر تمرده على وسامته، ويقدم دور عبدون صبي المعلمة الدميم المعتوه، ثم يتنبأ بموجة المهرجانات وانحراف الحرف وسقوط الهوية مع «كيميا المخ» وظهور «ستموني» في المجتمع وبداية الانهيار وسطوة المال على عن العلم فيعرض المأساة بفانتازيا مشحونة بالحزن لنقف أمام تأريخ سينمائي تحت عنوان «الكيف»، ذلك الفيلم الأقوى في فترة الثمانيات.. وكأنما أراد القدر أن يضع أفيشات محمود عبد العزيز في ترتيب خاص به يُجسد الواقع بدرجاته ودركاته فمن الكيف لـ«الجوع» لـ«أبناء قتلة» لـ«جري الوحوش» لـ«سكة الندامة» لمرحلة «سمك لبن تمر هندي» لـ«يا عزيزي كلنا لصوص».. ثم يقف القلم مليا قبل أن يكتب ملحمة إبداعية حينما يأخذ داود عبد السيد رواية العملاق إبراهيم اصلان مالك الحزين إلى عمل فني يحمل اسم الكيت كات» فيحتل الفيلم المركز الرابع والعشرين في قائمة أفضل مائة فيلم مصري ويحصل على الجائزة الذهبية لأحسن فيلم من مهرجان دمشق السينمائي الدولي عام 1991.
محمود عبد العزيز الرافض للنمطية وتحجيم الموهبة المحب للانطلاق كان قد صرح خلال مقابلة تليفزيونية إنه رفض الوظيفة وتعلم من دراسته في كلية الزراعة الكثير وكان للنحل فضل عليه في تعليمه
ويبقى رأفت الهجان في مكان ومكانة خاصة ولو لم يكن لمحمود عبد العزيز من أعمال غيره لاستحق أن يُكتب في أولى صفحات التاريخ.. ذلك العمل الذي أداه لا كفنان يتقمص الشخصية ولكن كمصري محب لوطنه انتقل بقلبه وروحه إلى تلك الحقبة الزمنية فضحك وبكي وتألم مع الأحداث وليس أدل على ذلك مما قاله نجله محمد محمود عبدالعزيز عن كواليس لا ينساها: «في حالة التنحي حصلت حالة غير مفهومة، أبويا فضل يعيط بعد ما المخرج قال Cut، وطلع غرفته وكمل عياط ومحدش عارف يفصله».
باقة ورود على ساحر الفن محمود عبد العزيز في ذكرى ميلاده.