تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أكد الكاتب والقاص الكبير سمير الفيل أن وصية الأديب الكبير يحيي حقي له، أن نكتب كل ما نراه من علاقات وأحداث ووقائع بشكل فني، مازالت تمده بزاد من العطاء وتجدد محاولته اقتناص شكل القصة القصيرة.
وقال الفيل - في حديث للقسم الثقافي لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأحد -:"أنا واحد من الناس الذين يذهبون للكتابة فأطرق بابها في خشوع وتبتل، أصابعي تكون مرتجفة لكنها على أهبة الاستعداد لسماع الصوت الخافت:" ادفع الباب يا كاتب!".
وأضاف:" عندها أندفع بكل قواي للكتابة، ويكون إلى جواري ورقة مدون عليها " كروكي " النص، الذي أعدله، وأضيف إليه، وأحيانا أجد أبطالي قد تمردوا على مسارات السرد، واقترفوا مسالكا مغايرة. على إذن أن أحترم رغبتهم، وأسمح لهم بحرية الحركة وفي هذه الحالة يحدث جدل خفي بيني وبين أبطال النصوص ينتهي باتفاق شفاهي أن يمنح كل منا الآخر فرصة حقيقية للحركة".
وتابع قائلا: "في بداية تعاملي مع القص كنت أنتظر صوتا أو موقفا وربما تنتابني حالة من الرغبة في التعبير عما بداخلي من مشاعر ولكن حدث أنني في مرات تالية دربت نفسي على الكتابة في أي وقت والشرط الوحيد لتحقيق ذلك عمليا أن أجد القلم يسبقني ويدون ما يمر بروحي من مشاعر تحتاج إلى لغة".
وأردف بالقول: “أنا أعول كثيرا على اللغة، وأراها العنصر الحاسم والفعال في نقل التجربة دون ثرثرة أو تزيد. اللغة عدة الكاتب وهي في نفس الوقت وسيلتي الوحيدة لنقل خبرتي الجمالية والفكرية للقارئ الذي استحضره في ذهني وقت الكتابة".
وسمير الفيل، كاتب يعيش في مدينة دمياط بعيدا عن العاصمة، يواصل الكتابة منذ 52 عاما، وقد أصدر 3 روايات و18 مجموعة قصصية. أسس مبادرة " في حب نجيب محفوظ" كما أسس مجموعة " أدباء ضد التلوث ". جعل من جلسة المقهى اليومية فرصة لقراءة أعمال كبار الكتاب من شعراء وساردين. يكاد يعرفه كل سكان المدينة ويقدرون دوره الثقافي والأدبي.
وحول ما يميز الرواية، قال القاص سمير الفيل: "قابلت أستاذنا العظيم يحيى حقي في مدينة دمياط سنوات الثمانينيات من القرن الماضي (...) وسألته نفس السؤال.. توقف قليلا، أمسك بيدي. حدثني: القصة القصيرة هي أن تنظر من ثقب هذا الباب، تصور أنه باب مقفل، عليك أن تغلق عينا وتفتح أخرى ثم سترى دائرة يتحرك من خلالها الشخوص عليك أن تكتفي برصد ما تراه، بلا ثرثرة ولا مبالغة. وكن مقتصدا، مباغتا.. أما الرواية، فتعال معي لنفتح الباب على اتساعه، ثم لنهبط السلم، نجول في الشوارع والأسواق ونكتب كل ما نراه من علاقات وأحداث ووقائع بشكل فني".
وذكر الفيل قائلا: "أجدني في كل مرة أنصت لصوت معلمنا وأستاذنا يحيى حقي، وأهتف في نفسي:" عليك أن تقتدي بنهج الأستاذ. عليك أن تعبر عن عرفانك لهذا الحس الأبوي الذي كان يمرر به عباراته شديدة العذوبة ".
وحول إمكانية ألا يتسرب المبدع إلى نصه ويؤثر فيه بشخصيته الحقيقية.. قال الفيل: “كل كاتب له تجربة مختلفة عن الآخر، شخصيا أجدني موجودا في أغلب نصوصي وهو ما أشارت إليه الناقدة العراقية الدكتورة وجدان الصائغ في دراستها عن رواية " ظل الحجرة" فقد وجدت أن البطل عبد العزيز هو نفسه الكاتب. وهو ما نعثر عليه كذلك في مجموعة" صندل أحمر" حيث وجدت الروائية انتصار عبد المنعم أن شخصية الكاتب تتسلل إلى فضاءات النص".
وتابع بالقول: " أتصور أن الكاتبة إيمان الزيات قد توصلت لنفس المفهوم فالكاتب يندس وسط تفاصيل النصوص بشكل سري، وكتبت عن المجموعة:" كل شيء في الدنيا له قصة، كل شيء له بداية ونهاية وسيرة حياة، وإذا كان التغيير هو سمة الوجود، والتحول صفة جوهرية لكل المخلوقات فلكل تغيير وتحول قصة".
وأوضح أن تلك المجموعة الممتلئة بالحيرة والتساؤلات التي تدور حول مفردات الوجود الأساسية، متماهية مع روح العصر غير المطمئنة التي اكتفت منذ أمد بعيد بالمشاهدة لأنها لا تملك القدرة على تغيير كل ما يحيط بها من أمور فاسدة ومغلوطة برغم المحاولات المستميتة، تلك الروح التي يضيق صدرها، وتمتلئ حواسها بالمشاهدات فينطلق لسانها بالحكي وصفًا وتجسيدًا على لسان الحكاّء الحكيم، وبواسطة السارد المشخصن أو الراوي المشارك وبضمائر عدة: الغائب منها والمتكلم وحتى المخاطب".
وحصل القاص والروائي سمير الفيل على جائزة "ساويرس" لكبار الكتاب، فرع القصة القصيرة، لهذا العام عن مجموعته "أتوبيس خط 77"، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2019.
وقال الفيل:" لم أتوقع الفوز، فالمنافسة كانت صعبة، وكل من وصل للقائمة القصيرة يكتبون بشكل ممتاز، لذلك فرحت أن مجموعتي فازت ومن المدهش أن الأصدقاء بإدارة النشر بهيئة الكتاب هم من دفعوا بمجموعتي للمسابقة ثم أخبروني بذلك هاتفيا، ووافقت حيث أرسلت المعلومات المطلوبة. وأظن الفنانة هند سمير التي رسمت غلاف " أتوبيس خط 77" كانت متحمسة للنصوص هي وزملاء لها كثيرون".
وأضاف: “استقبل زملائي بالمقهى الشعبي الذي أجلس عليه يوميا الخبر بفرح غامر، وأصدقاء لي بالصعيد وبحري رأوا أن هذه الجائزة هي لجيلي كله. هذا الجيل الذي شارك أغلبه في حرب 1973 وعانوا مرارة الانفتاح ثم واجهوا عثرات التحول. ربما هذا ما سجلته في مجموعة" جبل النرجس" غير أن المجموعة الفائزة اشتغلت على قضايا أخرى تخص علاقة الرجل بالمرأة، وقد عالجت هذا العنصر الحاكم بكتابة تستلهم نماذج مضيئة، وحية من واقعنا المعاش".
وحول أهمية أن يتم التكريم بشكل عام في حياة المبدع دون انتظار وفاته، قال سمير الفيل: "للتكريم في حياة الكاتب أشكال متنوعة، منها التكريم الشعبي الذي نلته في يناير من هذا العام 2021، فقد احتفى بي أدباء ورجال مسرح وموسيقيون وجلساء المقاهي الشعبية التي ارتادها لوصولي لسن السبعين دون أن اتوقف يوما عن الكتابة". وهناك التكريم الرسمي وقد نلته مرات عديدة سواء بدرع هيئة قصور الثقافة سنة 1997 بمدينة الإسكندرية، ودرع عن مختبر الإسكندرية للسرديات عام 2013، وشهادة تقدير من الدولة سنة 1979 في العيد الأول للثقافة والفن الذي انعقد بمسرح السلام بالقاهرة.
وقال إن الكاتب الأصيل يكتب في جميع الظروف، ولا ينتظر التكريم، فإذا جاء هذا التكريم مصادفة أو بعد فحص لمسيرته وكتبه فهذا أمر يفرحه. لا تنس ان في داخل الكاتب قطعة من الطفولة تتميز بالبراءة والبهجة، ربما يستدعيها هذا التكريم فتعوضه عن فترات المعاناة والإحباط، وأغلب من يمارس الكتابة ظروفه الاقتصادية صعبة فالتكريم المادي ربما ينتشله من وهدة القنوط.
وحول تأثير المكان الذي عاش فيه الكاتب الكبير سمير الفيل وهو مدينة دمياط دور عظيم في تكوين ثقافته.. قال القاص والروائي سمير الفيل: "أتصور أن المكان قد لعب دورا أساسيا في كتاباتي القصصية، الأمر الذي لمسه الناقد إبراهيم جاد الله في دراسته لمجموعة “خوذة ونورس وحيد “، فهو يرى أن " المكان يتحقق في قصص سمير الفيل. عبر اتصاله واشتباكه بأمرين غاية في الأهمية الإبداعية، وهما. الإحساس، والذاكرة، استطاع سمير الاعتراف بالمكان. من مدقات وخنادق. وصحراء ودبابات. ومطابخ ومنحدرات. وكناتين وسرايا. وإذا انتفى الإحساس بوجود المكان، فإن وجوده في الكاتب ينتفى معه، وهو أمر مغاير بلا شك لإبداعات سمير الفيل".