في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
31 – أوس بن حجر
" أيتها النفس أجملي جزعا
إن الذي تحذرين قد وقعا "
فليكن من يرثيه أوس من يكون، وقد يستحق هذا المطلع القوي البهي المزلزل أو لا يستحق. القضية لا تكمن هنا، ذلك أن البيت يتحول بفعل الزمن إلى ملكية عامة تتوارثها الأجيال، ويكرر الحزانى المكلومون المعنى نفسه عند الاصطدام بموت عزيز حبيب. أليس أنهم يسارعون جاهدين للبحث عن الصبر الذي يبدو بعيد المنال، ويلهثون وراء التماسك الذي يعز الوصول إليه؟.
لا تقتصر البطولة على شخص بعينه يهتز الشاعر لموته، لكنها تمتد أيضا لصاعقة الموت التي تطيح بالعقل وتدمي الفؤاد وتضعضع الروح. لا شيء يملكه الإنسان في مواجهة الكارثة المدوية إلا الشعور بالأسى جراء الفجيعة، ومفردة "المفاجأة" ليست واردة في موقف كهذا. الموت قدر حتمي لا نجاة منه ولا مهرب، والخوف من وقوعه مزمن مقيم يتربع في أعماق كل وأي إنسان، ولا يغادره أبدا.
هل تستجيب النفس للنداء والنصيحة؟. يمكن القول إنها مجبرة على الإصغاء والاستجابة، دون نظر إلى الاقتناع والفهم والتسليم والرضا. لا ينبع الرضوخ من فرط الورع والإيمان، بل هو نتيجة للإدراك الذي لا جدال فيه لحقيقة راسخة: التمرد لا يجدي شيئا، والحياة تستمر مثلما لا يتوقف الموت.