* عملنا الصحفي في سوريا صعب للغاية
* الصحفي بعد الإصابة يصبح مهمشا ولا يعيرها أي إهتمام* أجد صعوبة في إيجاد عمل بسبب بتر يدي
ذهب ليوثق أحداث مجزرة دامية فأصبح جزءا منها، عبد الله ملحم - 25 عاما من أبناء بلدة الأتارب بسوريا يعمل مراسلا صحفيا لدى مركز حلب الإعلامى - أصيب ببتر يده يوم الاثنين 17 أكتوبر 2016، أثناء تغطيته لمجزرة عويجل.
يقول عبد الله أنه منذ الصغر كان يحلم بأن يكون إعلاميا سوريا ينقل معاناة الناس وأوجاعهم، ورغم قلة الخبرة والإمكانات إلا أنه استطاع أن يطور من نفسه رغم الظروف الصعبة التى أحاطت به وأن يتعلم ليحقق حلمه والذى لم يكن يدرى يوما أن هذا الحلم سيتسبب له في إعاقة مدى الحياة.
يحكي عبد الله عن ما حدث له قائلا " في أحد الأيام شاهدت ما حدث من مجزرة في كفر ناها وبلدة عويجل وكانت نحو الساعة العاشرة صباحا، جهزت حالى ومعداتى لأذهب إلى عويجل لتغطية الحدث هناك ووصلت في حدود الساعة الثانية عشر ونصف، كان القصف الجوى شديد جدا على البلدة فقد تدمر كل شىء، وكان معظم مبانى البلدة مدمرة بشكل كامل وسكانها تحت الأنقاض.
يصف عبدالله المشهد وكأنه أشبه بحرب عالمية، فكل شىء حوله مدمر ومجموعات الدفاع المدنى تحاول جاهدة إخراج الأشخاص من تحت الأنقاض رغم أن القصف لا زال مستمرا.
يقول عبد الله " أثناء التصوير وفى غضون نصف ساعة لم أشعر بشىء الا بصاروخ وقعت بجانبى جعلت التراب كما المطر، وقتها أغمى على ولم أشعر بشىء بعدها.
بعد وقت لا أعلمه أفقت ونظرت على يدى وجدتها شبه مبتورة، نظرت من حولى فوجدت أن كل من كانوا متواجدين لإنقاذ الناس أصبحوا مصابين وأيقنت أن لا أحد سينقذنى ويجب أن أنقذ نفسى بنفس، قبل أن ينتهى دمي.
وقتها حاولت القيام وكنت أظن أن يدى فقط التى انقطعت ولكن شعرت بألم شديد في رجلى وشعرت بدوران ولم أستطع بسببه الحركة، وسقطت للمرة الثانية، في تلك الأثناء كانت هناك غارة جوية ثانية وهناك صاروخ ثانى وقع بجانبى ولكن هذه المرة لم تكن بشدة ولا بأثر المرة الأولى.
وحين حاول بعض المدنيين إنقاذى ممن تمكنوا من النجاة من الضربتين ولكن جاءت ضربة ثالثة دمرت مبنى خلفى مما جعلهم لم يستطيعوا الوصول إلى.
وعن تأثير الحادث على حياة عبد الله يقول " هذه الإصابة كان لها تأثير كبير في عملى اليومي، فاليوم أجد صعوبة كبيرة في إيجاد فرصة عمل بسبب وضع يدى، فالكثير حين أتقدم لعمل يرفضونى ويقولون "إيدك ما بتساعدك" وهذا الأمر أعانى منه كثيرا مما يؤدى إلى تأثرى نفسيا بشكل كبير".
ويضيف عبد الله "وقت الاصابة أكثر ما جعلنى أخاف هو أني لن أعود للعمل مرة أخرى في التصوير، ذهبت للعلاج خارج سوريا وعدت مرة أخرى وأمسكت الكاميرا بإيد واحدة".
عن تلك اللحظة يقول "في المرة الأولى التى أمسكت فيها الكاميرا بيد واحدة شعرت بفرح أنى إستطعت أن أمارس عملى من جديد وأن الأمل لا زال موجود".
"إصابتى جعلتنى جزءا من معاناة الناس الذين كنت أوثق حياتهم يوما ما" بتلك الكلمات وصف عبد الله إصابته وعن طبيعة العمل الصحفى في سوريا يقول عبد الله " الظروف في سوريا أصبحت صعبة جدا فالجميع أصبح يخاف، بسبب الحروب والظروف الصعبة التي نعيشها، أما عملنا نحن كصحفيين فالموضوع أصبح صعبا جدا فمن ناحية نواجه القصف ومن ناحية أخرى نواجه حتى خوف المدنين بما كل ما هو له علاقة الأعلام، أصبحنا نحمل أرواحنا على كفوفنا".
وفى رسالة وجهها عبد الله لكل صحفى مصاب "على كل إعلامى مصاب مثل وضعى يجب يهتم بتسليط الضوء على قصته، خصوصا أن هناك مصورين وصحفيين أصبحوا بعد الإصابة في حالة عجز تامة وتغيرت حياتهم تماما ولا أحد يعيرها أى اهتمام ولا أى سؤال، فأنا شخصيا حياتى تغيرت تماما بعد الإصابة وهناك الكثير لم يعود بيني وبينهم تواصل.
ويضيف عبد الله " كان ذلك اليوم صعب جدا وكانت تلك هى المجزرة المروعة الأولى التى شاهدتها منذ بداية عملى في ظل الثورة، واتذكر جيدا مدى الألم الذى عشته في المشفى وللأسف فحتى اليوم لم استطيع أن أركب طرف، ولا يوجد أى جهة ساهمت في مساعدتى لتركيب طرف، ولكن رغم كل شىء ما زال عندى إصرار وعزيمة أن أكمل طريقى وهدفى في إيصال الألم الناس وتشردهم في ظل الحرب في سورية ونقل معاناة الناس حتى آخر يوم في حياتى".
ويختم عبد الله حديثه قائلا " أتوجه من منبرى هذا إلى كافة الزملاء الصحفيين العرب بالتحية العطرة وأقول لهم أنتم منبر المظلومين وعين الحقيقة في جميع الدول العربية ناصروا المظلومين وقضاياهم أينما وجود ولأنكم صوت حرا لا يغيره ولا يبدله ظرف أو ضغط أو حاكم باغ أو ظالم لأن الإعلام أمانة في أعناقنا ورسالتنا تستحق التضحية والصمود رغم كل الظروف".