دخل رجل على الخليفة العباسي المأمون، قيل إنه ارتد عن الإسلام، فدار حوار بينه وبين الخليفة حول معنى الاختلاف الدائر بين الفقهاء وعلماء الإسلام، انتهى إلى انتصار الخليفة لفكرة أن الاختلاف يدعم ويعزز سنة الكون القائمة على التنافس والتكامل.
ففي الرواية التي نقلها ابن طيفور الكاتب في تاريخ بغداد أن الرجل قال للمأمون: أوحشني مَا رَأَيْت من كَثْرَة الِاخْتِلَاف فِي دينكُمْ. فقَالَ الْمَأْمُون: إِن لنا اختلافين. أَحدهمَا: كالاختلاف فِي الْأَذَان، وتكبير الْجَنَائِز وَالِاخْتِلَاف فِي التَّشَهُّد، وَصَلَاة الأعياد وتكبير التَّشْرِيق، ووجوه القراءات، وَاخْتِلَاف وُجُوه الْفتيا وَمَا أشبه ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف إِنَّمَا هُوَ تخير وتوسعة وَتَخْفِيف من المحنة. فَمن أذن مثني، وَأقَام فرادي. لم يؤثم. من أذن مثني وَأقَام مثنى لَا يتعايرون وَلَا يتعايبون، أَنْت ترى ذَلِك عيَانًا، وَتشهد عَلَيْهِ بَيَانا.
وَالِاخْتِلَاف الآخر كنحو الِاخْتِلَاف فِي تَأْوِيل الْآيَة من كتَابنَا، وَتَأْويل الحَدِيث عَن نَبينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، مَعَ إجماعنا على أصل التَّنْزِيل، واتفاقنا على عين الْخَبَر، فَإِن كَانَ الَّذِي أوحشك هَذَا حَتَّى أنْكرت كتَابنَا، فقد يَنْبَغِي أَن يكون اللَّفْظ بِجَمِيعِ مَا فِي التوراة وَالْإِنْجِيل مُتَّفقا على تَأْوِيله كالاتفاق على تَنْزِيله، وَلَا يكون بَين الملتين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى اخْتِلَاف فِي شَيْء من التأويلات، وَيَنْبَغِي لَك أَلا ترجع إِلَّا إِلَى لُغَة لَا اخْتِلَاف فِي ألفاظها، وَلَو شَاءَ اللَّهِ أَن ينزل كتبه وَيجْعَل كَلَام أنبياءه، وورثة رسله لَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير لفعل. وَلَكنَّا لم نر شَيْئا من الدّين وَالدُّنْيَا دفع إِلَيْنَا على الْكِفَايَة، وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لسقطت الْبلوى والمحنة، وَذَهَبت الْمُسَابقَة والمنافسة وَلم يكن تفاضل، وَلَيْسَ على هَذَا بني اللَّهِ جلّ وَعز الدُّنْيَا.
نقل هذه المروية التاريخية عن علم وعقلية الخليفة العباسي المأمون، ابن طيفور الكاتب صاحب تاريخ بغداد والمتوفي عام 280 للهجرة، ويعد أول من ألف لتاريخ مدينة بغداد.