الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الملكة نفرتاري.. لماذا حاول أثريون التخلص من المومياء؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شك الأثريون العاملون بالمتحف المصري في حقيقة نسب إحدى المومياوات داخل تابوت للملكة أحمس نفرتاري، فصدقوا على صحة نسب واحدة بينما اعتبروا الأخرى جثة دخيلة، تم وضعها من قبل الكهنة، وفي النهاية تم نقل هذه الجثة التي اُعتقد أنها دخيلة لمكان رطب، تسبب في بعث رائحة كريهة منها مما دفع المختصون لدفنها في حديقة المتحف في الحال، قيل بعد ذلك أن هذه المومياء تعود في الحقيقة لنفرتاري.
هذه النهاية المحزنة لجسد نفرتاري، وفق حكاية العالم الأثري الراحل سليم حسن في الجزء الرابع لموسوعته "مصر القديمة"، تعود للأذهان وللصدارة في الوقت الذي تنقل فيه وزارة الآثار والسياحة المصرية المومياء الخاصة بها مع قرابة 22 مومياء أخرى من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة، وذلك في موكب ضخم استعدت له الحكومة المصرية منذ عام مضى، على أعلى مستوى وصف بالمهم والخاص.
ومع قصة دفن المومياء التي أوردها الدكتور سليم حسن وهو بصدد وصفه لتابوت الملكة نفرتاري الذي عثر عليه في خبيئة الدير البحري، يعاودنا السؤال: ما حقيقة دفن مومياء نفرتاري بعد انبعاث رائحة كريهة منها بسبب الرطوبة؟
ولفت "حسن" إلى طول عمرها قائلا: "والظاهر أنها عاشت مدة طويلة بعد وفاة زوجها الذي مات في سن الأربعين، وقبرها مجهول مكانه حتى الآن، ولكن وُجِد تابوتها في خبيئة الدير البحري، وهو موجود الآن بالمتحف المصري".
ويعتقد مؤلف "مصر القديمة" أن الملكة نفرتاري كانت مقدسة أكثرَ من زوجها، وقد بقي تقديسها على مر السنين أكثرَ من أي ملك آخَر، فقد وُجِدت آثارٌ تدل على ذلك حتى عهد الأسرة الواحدة والعشرين، والواقع أنها كانت تُعَدُّ في نظر المصريين إلهةً مثل آلهة طيبة العظام.
صعدت نفرتاري بدورها لتكون الوصية على العرش بعد رحيل زوجها الملك أحمس الذي هزم الهكسوس، وكان وريث العرش الأمير "أمنحتب" صغيرا، وبهذا الدور الذي لعبته نفرتاري في حياة الابن باتت شبيهة بالملكة "أعح حتب" التي لعبت دورا مهما في حياة أحمس حينما كان صغيرا وغدى شابًا يجلس على العرش ويتقدم من أجل هزيمة العدو والانتقام لمقتل أبيه.
ويعلق صاحب الموسوعة أنها أخذت زمام الحكم في يدها، وأصبحت الوصية على العرش، كما فعلت والدتها «أعح حتب» مع أحمس الأول كما سبق ذكره، ولا غرابة في أن نجد هذا النشاط من جانب نفرتاري؛ إذ قد عرفنا أنها كانت صاحبة نشاط عظيم في عهد زوجها «أحمس» الأول، وهي بلا شك تُعَدُّ ثانية الملكات اللائي -بما لهن من حق مقدَّس شرعي- لم يجلسن في عقر دارهن خاملات، بل أخذن على عاتقهن أعباء الملك ومهامه، مدَّعين لأنفسهن المساواة بل التفوق -بما يحملن من ألقاب- على أزواجهن وأولادهن في حكم البلاد؛ ولا نعجب إذا رأينا الملكة أعح حتب التي كانت قد بلغت من الكبر عتيًّا الآن تلعب دورها من وراء الستار في إغراء نفرتاري في أخذ مقاليد الأمور في يدها؛ لتكون هي الوصية على عرش ابنها الصغير كما فعلت هي من قبلها مع أحمس الأول.
في العام 1881 توصل رجال الأمن برفقة رجال الآثار لخبيئة الدير البحري بعدما أرشد أحد أفراد عائلة بالأقصر كانوا قد اكتشفوا كنوز المقبرة وبدءوا في بيعها ونهبها لكنهم اختلفوا في تقسيم الأنصبة على أنفسهم مما دفع أحدهم للإبلاغ عن البقية، وكان من ضمن هذه الخبيئة مومياء الملكة نفرتاري.
وحول تابوت الملكة يقدم "حسن" وصفًا دقيقًا فيقول إن طوله يبلغ طوله أكثر من عشرة أقدام، وصنع الغطاء على هيئة صور الملكة، تلبس التاج والريشتين الطويلتين، المميزتين للمليكة أو الإلهة، وذراعاها مثنيتان، وفي كل يدٍ من يدَيْها رمزُ الحياة.
ويصل "حسن" إلى قصة المومياء فيقول: وُجِد في تابوتها موميتان: إحداهما حقيرة في منظرها، والثانية التي كانت موضوعة في تابوت ثانٍ محفوظة حفظًا جيدًا ومحنطة تحنيطًا متقنًا؛ والظاهر أن أصحاب الشأن في المتحف المصري، قد ظنوا أن الجسم الذي كان في التابوت هو جسم «أحمس نفرتاري»، وأن الجسم الثاني كان دخيلًا وضعه الكهنة عندما كانوا ينقلون الجثث الملكية في مخدعهم الأخير.
حُفِظ الجثمان في مكان خاص، غير أنه تأثَّرَ بالرطوبة، فتصاعدت منه رائحة كريهة، فدُفِن في الحال في حديقة المتحف؛ ولكن أخذ الشك يخامر "مسبرو" أحد علماء المصريات- في أن الجسم الذي دُفِن في الحديقة هو جسم الملكة نفرتاري؛ ولذلك أخذ الأثريون يندبون النهاية المحزنة التي لاقتها جثة الملكة أحمس نفرتاري.
ويعود فيوضح أن «مسبرو» أكَّدَ لنا أن الجسم لم يُفقَد قط، وأنه الآن في مكانه بالمتحف المصري، ولكن الدكتور «إليت سمت» عندما أخذ يفحص الأجسام التي وُجِدت في خبيئة الدير البحري أكَّد بأن واحدًا من الجسمين يُحتمَل أنه جسم الملكة؛ لأنه كان جسم امرأة قد حُفِظت على الطريقة التي كانت متَّبَعة في عهد باكورة الأسرة الثامنة عشرة، وتدل نواجز فكها الأعلى البارزة التي كانت من مميزات الأسرة على أنها «نفرتاري»، فإذا كان هذا هو الواقع، فإن جسمها هو الذي يحمل رقم ٦١٠٥٥ في المتحف.
ويعتقد المؤلف أن نفرتاري عند مماتها كانت امرأة طاعنة في السن هزيلة الجسم تكاد تكون صلعاء، وقد غطَّتْ هذا الصلع بجدائل من الشعر المستعار، ولا بد أن نلفت النظر هنا إلى أنها كانت أكبر من أخيها «أحمس» بسنين عدة، وقد لفظت النفس الأخير في عهد ابنها أمنحتب الأول.