رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل ظُلِمت المرأة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلوت إلى نفسي أسائلها: ما الَّذي ينبغي أن أكتبه للمرأة في يومٍ عالميٍّ يحتفي بها؟ 
وجعلت أقلِّب في كتبٍ شتَّى أحاول أن أفهم كيف يرى الرَّجلُ المرأةَ، وكيف ترى المرأةُ المرأةَ.
ووقعتُ -من بين ما أبصرَتْ عيناي- على كلامٍ راقٍ لرِجالٍ ولنساءٍ ينصرون المرأة، وينتصرون لقضاياها في فهمٍ سديدٍ يحقُّ لنا أن نفخرَ به.
ولكنِّي -وبدون تجمُّلٍ خادعٍ- قرأتُ -أيضًا- كلامًا أنكره عقلي، وتصفحَّت مواقفَ أنكرها قلبي، وعرفت أحوالًا عند بعض النَّاس لا تقرُّها عقيدةٌ صحيحةٌ، ولا يرضاها سلوكٌ إنسانيٌّ، ولم أجد تفسيرًا لها إلَّا أن تكون هذه الأحوال موروثًا فاسدًا، أو تصوُّرًا ساذجًا.
وعندئذ وجدتني أسأل: «هل ظُلِمت المرأة؟»
ورُحتُ أستنطق الكتب الَّتي أمامي فإذا هي تعلن في صراحة أنَّ الوحي المنزَّل لم يظلم المرأة قيد أنملة، بل رفع شأنها بعد أن حطَّت من كرامتها ثقافات وحضارات يشار إليها بالبنان.
ولكنَّ الواقع الَّذي نعيشه يعلن رأيًا آخر، فهو واقع مرٌّ، وظلم بيِّن يقع على المرأة بلا ذنبٍ جَنَتْه.
وإذا كان القرآن الكريم ينكر منذ أكثر من ألف وأربع مائة عام على من يئدون البنات، ويقتلونهم بلا جريرة، ويعتب عليهم قائلًا: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]؛ فإنَّنا نقول اليوم بعد هذه المدَّة الطَّويلة والكتب والمدارس: بِأَيِّ ذَنْبٍ ظُلِمَت؟! وبِأَيِّ ذَنْبٍ حُقِّرَت؟! وبِأَيِّ ذَنْبٍ أُهمِلَت؟! 
ولنكن صادقين؛ فلم يعد دفن الرأس في الرِّمال حلًّا ناجعًا، فضلا عن كونه سلبيَّة وهروبًا من المواجهة الضَّروريَّة.
نعم، نحن نظلم المرأةَ حين نحزن لميلاد البنت، ونفرح لميلاد الولد! وما زالت آثار هذا الشُّعور تجاه المرأة تظهر على وجوه كثيرين، وهو إحساسٌ جاهليٌّ صوَّرته العبارة القرآنيَّة في قول الله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النَّحل: 58-59].
ونحن نظلم المرأةَ حين نفضِّل الذُّكور عليها في الحبِّ والمعاملة والنَّفقة والتَّعليم وغير ذلك من مظاهر الحياة، فللولد ما يشاء، وليس لهن أن يشأن شيئًا! وبهذا نبذُر في نفسها من أوَّل أمرها بذور الكراهية والضَّغينة.
ونحن نظلُمها حين لا نشعر بوجودها، فنقضي الأمور، ونتَّخذ قرارات قد تخصُّ حياتها دون سماعٍ لرأيها، وكأنَّها قطعة أثاث جامدة قبعت هنالك في زاوية من زوايا البيت، دون أن يفكِّر الرَّجل في أن يقول لإحدى من تشاركه حياته أمًّا أو زوجةً أو أختًا أو بنتًا: «ما رأيكِ؟» ولو على سبيل المجاملة.
ونحن نظلمها حين نمنعها مباشرة مباهج الحياة بحجَّة أنَّها أنثى، مع أنها هي بهجة الحياة، وقد كان يكفي مع الحجاب المنظَّم، والتَّعليم الرَّاقي، والالتزام بأخلاقيَّات العفَّة أن نصون كرامتها كأنثى، وأن نُهيئ لها فُرصة الاستمتاع بطيِّبات الحياة كإنسان له الحقُّ في طيِّباتها.
ولكن أنَّى يكون ذلك وبعض النَّاس ما زال يتعامل مع الأنثى معاملة الذِّئب مع الشَّاة؟!
نعمُ، نحن نظلم المرأة حين تُزَيِّن لنا العادات والتَّقاليد أن نمنعها الإحساس بكونها امرأة، ونجعلها تصارع مشاعرها فتغلبها حينًا، أو تغلبها مشاعرها حينًا آخر فيكون ما لا يحمد عقباه؛ حين يأتيها من يطلبُها بشرع الله، ولكنَّ تفاخرنا الأعمى، وكبرياءنا الكاذبة يأبى إلَّا أن يزوِّجها من ابن عمَّها، أو من كفءٍ لها، أو غير ذلك من حججٍ واهية. 
نعم الكفاءة مطلوبة في الشَّرع، ولكنها كفاءة الدِّين والتَّربية، وليست هذه العنصريَّة الممقوتة. 
ثمَّ ما ابن عمِّها إذا ضاع عمرُها ومضى ربيع حياتها، وأقبل خريفه بويلاته؟
وما مواصفات هذا الكفء الَّذي لا يكون إلَّا بمقاييس الأولياء دون نظرٍ للمرأة ومشاعرها؟
ومن جانب آخر 
نحن نظلم المرأة من حيث نظنُّ أنَّنا نحسن إليها، وذلك حين نبيح لها هذا التَّحرُّر الجاهل والانطلاق الأعمى، فتقع عينُها على ما يعارض القيم والأخلاقيَّات، ويحرِّك الغرائز والشَّهوات، وتسمع أذنها ما يعكِّر نقاء فطرتها وصفو جبلَّتها، فنكون بذلك كأنَّما نحضُّها على الوقوع في المحظور، وفي الوقت نفسه نحذِّرها من عاقبته، فما أشدَّ هذا التَّعارض! وما أقساه على نفسها!
ثمَّ نحن لا نرحمها إن زلَّت قدمها، فهي في نظرنا حينئذٍ عاصية خاطئة تستحقُّ أشدَّ العذاب، ولكنَّها حين تزلُّ فإنَّها لا تزلُّ وحدها، ولئن كانت مجرمة بفعلها تستحقُّ القيد والحبس والعقاب فلقد أعانها عليه مجرمون آخرون ما زالوا يمرحون في جهلهم، ولهي بضعفها أخفُّ إثمًا من المجرم بجهله وغروره! 
وحاشا لله أن يفهم أحدٌ كلامي هذا على أنَّه تبرير للمنكر أو تسويغ للمعصية، لكنَّه من باب وضع كلِّ إنسانٍ أمام مسئوليَّاته؛ فلعلَّ بعض الَّذين يطالبون برقبة الشَّاة؛ لأنَّها طعمت من الحِمَى الحرام كانوا هم أوَّل مَن حَرَّض الشَّاة على أن ترعى من ذلك الحِمى الحرام أو تركها على الأقل بلا رعاية!
ظلمت المرأة عادات وتقاليد، وأمَّا الشرع فلم يظلم، وإنَّما شرَّف وكرَّم، واحترم وعظَّم. 
فأنصفوا المرأة من أنفسكم ومن عاداتكم ولا تظلموها، أعطوها حقوقها من الدِّين، والرِّعاية، والعلم، والخُلق، والكرامة، والاحترام، والصِّيانة، والتَّوجيه، وغيرها ثم حاسِبوها بعد ذلك.