القرار الشجاع الذى اتخذه الوزير المحترم هشام توفيق - وزير قطاع الأعمال - بتصفية مصنع الحديد والصلب أثار كثيرا من الجدل ما بين مؤيد ومعارض . المؤيد يرى أن القرار صائب فى ضوء ما انتهت إليه الدراسات والتقييمات التى أجريت - من عدم جدوى استمرار المشروع وتحوله من خسائر الى أرباح ، هذا بالإضافة إلى ضخامة تكلفة إحلال وتجديد الآلات والمعدات لمسايرة التطور التكنولوجى ، وبالتالى انعدام القدرة على المنافسة والبيع وتحقيق أرباح تمثل عائدا مقبولا على الأموال المستثمرة ، باختصار المؤيد يرى أن قرار التصفية هو قرار استثماري صائب .
من ناحية أخرى نجد أن المعارضين لقرار التصفية يتحدثون عن الدور التاريخى لهذا المصنع الذى تم انشاؤه فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر كنواة لإنشاء صناعة مصرية ثقيلة وارتباط المصريين عاطفيا بهذا المشروع ، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعى المتمثل فى حجم العمالة التى يستوعبها المشروع والتى تمثل المرتبات التى يتقاضونها مصدر الرزق لهم ولعوائلهم . باختصار المعارض يرى أن قرار التصفية قرار غير صائب لأسباب عاطفية واجتماعية .
الجدل صحى جدا ، والرد على المعارضين أن الأسباب العاطفية - رغم كامل الاحترام والتقدير لها - لا يجب أن تكون اساسا لاتخاذ قرار استثماري تحكمه حسابات الربح والخسارة والاستغلال الأمثل للأموال وهى مال عام مملوك للشعب ، أما فيما يتعلق بالعمالة فيمكن الاستعانة بهم فى مصانع أخرى أو تعويض المتضرر منهم والذى يصعب إيجاد فرصة عمل بديلة له .
توقفت عند هذه الواقعة لأننى أعتبر أنها مؤشر هام آخر على وجود رغبة سياسية حقيقية جادة على وضع الأمور فى نصابها الصحيح لما فيه صالح هذا الوطن واتخاذ القرار بشجاعة لتصحيح الأوضاع أسوة بما تم اتخاذه من قرارات الإصلاح الاقتصادى الشجاعة التى وضعت الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح وشهدت لها كل المؤسسات الدولية .
نحن هنا أمام وزير هو ممثل لصاحب رأس المال وهى الدولة يأخذ قرارا استثماريا مبنيا على أسس سليمة لوقف نزيف الخسائر حفاظا على حقوق صاحب رأس المال ، وفى نفس الوقت يمكن أن يقرر الاحتفاظ أو زيادة الاستثمار أو مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات أخرى إذا أثبتت الدراسات أنها تمثل فرصا استثمارية جيدة لصالح صاحب رأس المال الذى هو الدولة والتى هى الشعب . باختصار نحن فى هذه التجربة امام محترفين يدركون أصول اللعبة والتى تتمثل فى الفصل بين الملكية والإدارة والرقابة وأن يقوم كل من هذه الأطراف بأداء دوره على الوجه الأكمل لتحقيق النجاح المرتقب دون تداخل بين الأدوار وهذا هو مفتاح نجاح الكيانات الاقتصادية الكبرى .
فى الواقع إننا عانينا كثيرا ومازلنا نعانى من ظاهرة الصفات المزدوجة فى الكيانات الاقتصادية وهناك أمثلة واضحة على ذلك . مثلا حين تجد أن الرقيب هو ممثل صاحب رأس المال ، وهو نفسه الذى يقوم باختيار الإدارة التنفيذية للمنشأة ، وفى نفس الوقت يرأس الجمعية العمومية أو يمثل أغلبية الأسهم فيها - وهى التى من المفترض أنها تحاسب الإدارة التنفيذية على نتائج الأعمال والربحية المحققة وتلك لا تمثل أحد أهداف الرقيب وبالتالى يصبح هو صاحب القرار الأوحد ذو السلطة المطلقة بالرغم من تضارب المهام والأهداف .
الرقيب يجب أن يظل رقيبا لا يتدخل فى الإدارة أو اختيار القائمين عليها ولا يقوم بأداء دور المساهم فى الجمعيات العمومية ولا يتدخل من بعيد أوقريب فى قرارات واختصاصات الجمعيات العمومية فهذا ليس دوره ولا اختصاصه ، وإن كانت بعض القوانين أو التشريعات تجيز ذلك فربما قد نحتاج إلى مراجعتها .. وهذا رأيى.