بلداننا تستطيع التقدم، لو مُكن الشباب، وفي تقديري العمل على المعرفة يساعد ويدعم ذلك، مسئولونا عليهم أدوار، اشتراع سياسات وآليات، وسنستفيد جميعا لو تحقق للشباب استخدام المعرفة، سيأخذ ذلك وقتا هذا صحيح، لكن علينا العمل على المعرفة.هذه الجمل التي دونتها هنا، مثلت انحياز المفكر وصاحب المشروع التنويري د.محمد رءوف حامد، وفي لقائنا أول هذا الأسبوع، بدار الأوبرا، تشرفتُ بالاستماع لحديثه في مسائل شتى، ومنها لقاحات كورونا، وهو الجامع بين تخصصه في علم الأدوية كعالم، وخبير استشاري عربي ودولي، وبين اهتماماته الفكرية والثقافية، وعلى رأسها مشروعه،إدارة المعرفة(إدارة العبور من التخلف إلى التقدم)، وله فيها دراسات وتجارب تطبيقية،ميدانية،وكنا أستعدنا ذكريات تجربته التعليمية التربوية التي خاضها مع أول دفعة لخريجي كلية الصيدلية بجامعة طرابلس(1978- 1983).وقد قاد طلابه في تجربة علمية غير مسبوقة وقتها،في أبحاث علم الأدوية "الفارماكولوجيا" منتقلا بهم من المحلية إلى العالمية.
المطالع، والمتفحص لمنتج د.محمد رءوف حامد، معبرا عنه في إصدارات مطبوعة، ومحاضرات شارك بها عربيا ودوليا، ومنها مقالات مطولة على شبكة الإنترنت، وبدوريات عربية، سيتذكر وينتبه لمقاله الاستشرافي بمجلة العربي الكويتية يناير عام 2000م، بعنوان "مستقبل الثورات"، والذي تمركز حول مفاعيل البشر، الممكنات والمحتملات مع التقدم العلمي- التكنولوجي والعولمة، كدافعية العمل الجماعي، أو ما أصطلح على تسميته "ثورة المفكرين"، وحتى وهو يفترض توسع الطرح مع مستجد الأحداث، والمتغيرات اللاحقة، ما اعتبره تقاطعات حادة من الأزمات والصراعات العالمية،المحلية /الاقليمية، ضد السياسات العامة في العديد من عواصم العالم، وعلى رأسها ماجرى من انتفاضات مع العقد الثاني للقرن 21، وأتذكر أني يومها سألته عن مقصده في مشروعه الإصلاحي من "الجماعية"،و"ثورة المفكرين"، فأجابني ليس مقصده فقط ممارسة أصحاب الرأي من الكتاب والأكاديميين، وإنما أيضا كل من يحمل هما فكريا منظما، بخصوص تقدم مجال عمله، أو تخصصه أو تقدم المجتمع بعمومه، في اتساق مع هدف،تقدم الشأن الإنساني العام محليا وعالميا. ويقدم د.رءوف في إصداره للعام2019،"مستقبل جديد للثورات"، ضمن سلسلة كراسات مستقبلية (الناشر المكتبة الأكاديمية) مفاهيم وشروحا تحليلية لمشروعه الفكري التنويري.
وفي جلستنا المسائية وقد أهديتهُ كتابي "نساء الربيع العربي" (منشورات ميادين 2020)،هنأته بصدور ترجمة الابحاث العلمية، بلقاء باريس (بمقر اليونسكو 2009) رفقة كبار الباحثين من أوروبا وأمريكا الشمالية(الرابطة الدولية لدراسات التداخل الحضاري)، في كتاب تحت عنوان "الإسهام العربي المعاصر في الثقافة العالمية- حوار عربي غربي"، بمقدمة مدير مكتبة الإسكندرية(الناشر) د.مصطفى الفقي، الكتاب المتاح اليوم، يقدم اجتهادات علمية تطبيقية عربية غربية، وفصل الكتاب الأول يحتوي كشفا علميا للدكتور محمد رءوف بعنوان: "المحلية منبعا للعالمية، التأثير الإيجابي للكابسايسين المكون الرئيس في الغذاء التقليدي الليبي على قرحة المعدة وعلى امتصاص الأدوية عبر الأغشية البيولوجية "، وقبل أن يوضح لي منهجيته في هذا الكشف العلمي، سألني عن علاقتي " بالهريسة" فأجبته ضاحكة، نقول بلهجتنا "عزيزة وغالية"، وهل يمر يومنا من غيرها،لا نستطعم السندويتشات دونها، وطقس موسم تحضير معجون الفلفل الأحمر الحار له حكاية بكل بيت ليبي تقريبا،عاجلني قائلا: في الفترة بين 1978: 1984م بطرابلس، شرعت وفريق من طلابي بكلية الصيدلة في دراسة تطبيقية في مادة علم الأدوية وبمقاربة للخصوصية المحلية،على"الهريسة" المنتجة من الفلفل الحار، والمحتوي على مادة الكابسايسين، وماكان شائعا أنها مادة تحدث التهابا للأصحاء عند تعرض الجلد والاغشية لها، وبالتالي تسبب قرحة المعدة، إلا أن التجارب المعملية حين تعريضها على الجرذان وفق نموذجين، أثبتت عكس ذلك تماما، وكانت النتيجة هي الحماية من قرحة المعدة من خلال مايؤدي إليه من زيادة في الامداد بالدم لمنطقة المعدة، وكذلك فعله في تقليل حساسية نهايات الأعصاب الموصلة للمعدة،أما البحث الثاني فقد قاد وفي اختبار على الطلاب، إلى كشف تأثير ذات المادة على امتصاص الأدوية ومرورها عبر الأغشية البيولوجية، فقد ثبت زيادة الامتصاص عند الطلبة الذين تعودوا على تناول "الهريسة" مقارنة بمن لايتناولونها، ولايتناولون مادة الكبسايسين في أية صورة.
هذه الأبحاث وغيرها بالكتاب، لم تلق قبولا في بداياتها، لولا إصرار د.محمد رءوف وتقديمها في مؤتمرات عالمية بسويسرا، واليابان، والنمسا، ليجري الاعتراف بها كشفا علميا عالميا، مبتدأه طلاب شجعهم معلمهم غير التقليدي، لممارسة تربوية تعليمية تعتمد التجارب التطبيقية من محيطهم، ووفاء منه يذكرهم في الكتاب، تلاميذه النجباء:عائشة المخزوم،عائشة المنقوش، على بريهيمات(جزائري)،دلال الحامي، فاطمة شميلة،خديجة الزروق، مفيدة القندي، وسام البشتي.