الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

اليمن.. أرض الخوف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الميليشيات المسلحة تشعل الحرب مجددا.. وزيادة البطالة والفقر وغياب العدالة

تجديد مبادرة التحالف العربى لدعم الشرعية ووقف إطلاق نار شامل فى اليمن

كورونا خطر يهدد المواطن اليمنى.. والقاعدة وداعش يواجهان الحوثيين والمجلس الانتقالى فى الجنوب

 

فى ظل انسداد واضح بشأن التوصل لتفاهمات سياسية باليمن بين التحالف وجماعة الحوثي، شهد الصراع تصعيدًا ملحوظًا مؤخرًا، عده مراقبون مؤشرًا على بداية «مرحلة جديدة» من النزاع العسكرى المستمر منذ 6 أعوام.

وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولى لإحلال السلام فإن مستقبل تسوية الأزمة لا يزال بعيدًا وغامضًا، فسيناريوهات مستقبل الأزمة فى اليمن فى معناها العام هى أشبه بالمناورات، التى تقوم بها الجيوش، عبر خلق واقع افتراضى لمعارك متخيلة، وتمرين القوات العسكرية على التعامل معها، وبطبيعة الحال، فإن من المستحيل أن تتطابق المناورات مع المعارك الحقيقية. والفائدة المرجوة من عرض السيناريوهات هى تقريب الأفكار والمشاريع المطروحة عبر تفسير حدوثها ومن ثم استيضاح صيرورتها ونتائجها.

 

أولًا: أسباب داخلية للصراع

لا يمكن النظر إلى المشهد الداخلى اليمنى بمعزل عن الصراعات والتناقضات العميقة بين مكوناته الاجتماعية والقبلية والطائفية والجهوية، والحكم الاستبدادى، وانعكاساته السياسية فى السعى نحو التوريث، وحروب صعدة والتفجيرات والاغتيالات والخلافات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتواجد تنظيمات مثل «داعش» و»القاعدة» على أرض اليمن، والخلاف حول مسودة الدستور ونظام الأقاليم، فضلًا عن البطالة والفقر وغياب العدالة فى توزيع الثروة.

أدت هذه العوامل وغيرها، لا سيما بعد تأزم الانتقال السلمى للسلطة بعد ثورة العام ٢٠١١، وسيطرة الحوثيين العسكرية على العاصمة صنعاء فى العام ٢٠١٤، إلى اتساع دائرة تشظى اليمن وتمزقه، الأمر الذى شكّل مدخلًا لتأثير دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية على مجريات الأحداث.

وقد خرج الشعب اليمنى إلى الساحات والميادين فى ثورة سلمية للمطالبة برحيل النظام، ومن أجل الحرية والكرامة وإصلاح مؤسسات الدولة. وشكَّلَ المسار السياسى للأحداث التى مرت فيها الثورة، مع طول العامل الزمنى فى عدم حسمها، الخيارَ الأمثلَ لتدخل نفوذ القوى الدولية والإقليمية، الحاضر بقوة فى اليمن.

يتميز اليمن بموقع استراتيجى يربط الشرق بالغرب عبر بحر العرب ومضيق باب المندب، ويعدّ ممرَ التجارة الدولية البحرية الأهم فى العالم، وهذا جعله محط أطماع وتدخلات دول الجوار والإقليم، وصراع القوى الدولية والاستعمارية؛ بهدف السيطرة على الموقع والممر المائى لتأمين وحماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية، فالذى يسيطر على اليمن، يتحكم، عمليًا، بخطوط الملاحة البحرية وممرات التجارة العالمية، ويفرض ويحدد شروطه داخل اليمن والإقليم والعالم. ومن هنا، لا يمكن اعتبار اليمن كغيرها من دول العالم بسبب هذا العامل الذى يدفع الدول الكبرى إلى التدخل تحت ضغط وتأثير مصالحها وأهمية اليمن من الناحية الجيو استراتيجية.

والهدف من هذا هو عرض السيناريوهات العديدة التى يمكن أن يمر بها اليمن فيكون أكثر استقرارًا أو أشد فوضى مما هو عليه الآن. والسيناريوهات المستعرضة ليست سوى صور مختلفة للتعبير عن هذا المستقبل.

١. سيناريو الاستقرار

ما نقصده بالاستقرار فى هذه السيناريوهات هو انخفاض وتيرة العنف، وسيطرة حكومة مركزية على الأراضى اليمنية، ورفع الحصار عن المنافذ البحرية والجوية والبرية، وتحكم قوى محلية، معترف بها من قبل العالم الخارجى، بالشأن اليمنى، فيما يُعرف بحالة السيادة.

يقوم هذا السيناريو على تشكيل سلطة لفترة انتقالية تضم جميع أطراف النزاع، وتشمل هذه السلطة رئيسًا توافقيًّا، أو نائب رئيس توافقيًّا تُنقل له صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، وتشكيل حكومة من جميع الفرقاء.

ووفقًا لهذا السيناريو؛ يتم إعلان وقف شامل لإطلاق النار، وإبقاء خطوط المواجهات على ما هى عليه قبل الاتفاق، وتشكيل قوات مراقبة محلية من قوى لم تشارك فى الحرب ومقبولة من جميع أطراف النزاع، يتم تطعيمها بمراقبين من دول أجنبية، أو الأمم المتحدة، للإشراف على تطبيق بنود التسوية وخاصة تلك المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وتسليم السلاح من جميع الأطراف، وتشكيل جيش وطنى وقوات أمن تتحمل مسئولية الأمن بديلًا عن قوات الأطراف المتحاربة.

وبعد تشكيل هذه الحكومة، يُرفع الحصار المفروض على اليمن وتُلغى العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن على عدد من الأشخاص المحسوبين على بعض أطراف النزاع، ويناط بالسلطة الانتقالية مهمة تطبيع الأوضاع، وخلق ظروف تسمح بإجراء حوار سياسى حول شكل الدولة والنظام السياسى الدائم لليمن، مستنيرين بنتائج الحوارات السابقة وتحديدًا مؤتمر الحوار الوطنى الذى انعقد فى شهر مارس ٢٠١٣، واختتم أعماله فى يناير ٢٠١٤، بالإضافة إلى تطبيق مبادرة الرياض على أن تنتهى المرحلة الانتقالية بانبثاق سلطة شرعية لليمن بواسطة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كما أنها تستهدى بالمبادرة الخليجية التى نزعت فتيل الصراع الدموى الذى كان ماثلًا فى عام ٢٠١١، وحققت سلامًا نسبيًّا فى المرحلة اللاحقة ساعد على عقد مؤتمر الحوار الوطنى وكتابة مسودة دستور جديد للدولة، ومع ذلك هناك معوقات جوهرية تقف أمام تحقق هذا السيناريو يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:

- أطراف الحرب الرئيسية فى اليمن، هى فى جوهرها حركات شمولية دينية (الحوثيون، حزب الإصلاح، السلفيون) وحركات من هذا النوع خياراتها صفرية فى الغالب، فعداؤها لبعضها البعض أيديولوجى دينى لا يقبل التسويات التى تقوم على الحلول الوسط، وتنعدم الثقة فيما بينها ويصعب وضعها ضمن نظام تعددى أو محاصصة سياسية مستقرة.

- الجماعات المطالبة بانفصال المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالى الجنوبي، يقوم مشروعها على إلغاء الوحدة اليمنية وعودة دولتى اليمن السابقتين، وهى بهذه المطالب لن تكون مهتمة، أو قادرة على الدخول فى سلطة الجمهورية اليمنية.

- لا يمكن قياس هذه التسوية بظروف نجاح المبادرة الخليجية؛ فالصراع حينها كان منحصرًا بين أطراف محلية صرفة، وكان محور الصراع يتركز حول خروج الرئيس السابق على عبدالله صالح، وإدخال إصلاحات فى النظام السياسى، وهى أمور أسهل بما لا يقاس وطبيعة الصراعات الحالية. كما أن المبادرة الخليجية تمت فى ظل مؤسسات دولة قائمة كانت تسيطر بشكل شبه كامل على كل مناطق الدولة ومؤسساتها تقريبًا؛ فيما الوضع الحالى يشهد تفككًا فى المؤسسات وتقاسم النفوذ والسلطة، ولهذا كله فإن من الصعب تكرار نموذج المبادرة الخليجية فى المستقبل.

- ليس هناك من مؤسسات عسكرية ذات طابع وطنى يمكن لأطراف النزاع الاحتكام لها وتسليمها أسلحتها، ومنحها صلاحية حفظ الأمن؛ فالقوات العسكرية والأمنية فى مناطق سيطرة الحوثيين أصبحت عمليًّا أقرب لميليشيا خاصة بهم. وبالمثل، تقريبًا، جميع القوات العسكرية والأمنية فى الجانب الآخر، هى أقرب ما تكون لقوات حزبية أو جهوية أو شخصية؛ فهى فى حقيقتها قوات مقسمة بين حزب الإصلاح، والمؤتمر، وبين الجماعات الانفصالية والجهوية والسلفية، وبعض شيوخ القبائل وغيرهم.

ووفقًا لذلك؛ فلا وجود لجيش وطنى حقيقى يمكن أن تقبل أطراف النزاع تسليم السلاح له أو الاندماج فيه. كما أن من الصعب تشكيل جيش وقوات أمن وطنية جديدة عبر دمج قوات الأطراف المتناحرة.

- التسويات الشبيهة التى نجحت فى بعض الدول بعد الحروب الأهلية، كان من أسباب نجاحها وجود قوة خارجية فرضت التسوية على الجميع أو انحازت لبعض الأطراف، كما حدث فى لبنان بعد اتفاقية الطائف، والتى فرضتها سوريا عبر أجهزتها الداخلية وبغطاء إقليمى ودولي. وفى اليمن يستحيل تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة، أو متعددة الجنسيات أو غيرها، وفق المعطيات الراهنة على الأقل، تتولى نزع الأسلحة وتنفيذ بنود تسوية كهذه.

كما أن التسوية من هذا القبيل تعنى تثبيت الأمر الواقع؛ وهذا يعنى أن الحركة الحوثية، وفق هذا السيناريو، ستصب التسوية فى صالحهم، وستكون بمنزلة اعتراف لهم بالنصر وهزيمة خصومهم. كما أنها ستؤدى إلى سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة بعد أن تتوقف الضربات الجوية بمعنى آخر، لن يلتزم الحوثيون بأية اتفاقية وهم قادرون على السيطرة على مناطق جديدة، ولن يعدموا الأسباب والمبررات التى سيسوقونها لقيامهم بذلك الفعل.

والخلاصة أن هذا السيناريو يصعب تخيل حدوثه، وسيبقى فى خانة التمنيات لدى البعض، وحتى لو تم العمل به؛ فإن فرصته فى الصمود، ومن ثم خلق الاستقرار فى اليمن، ضعيفة جدًّا؛ إذ إن من المحتمل ألا يُـنفَّذ حتى لو وقَّعت أطراف الصراع عليه تحت الضغط الداخلى والخارجى.

٢- سيناريو تسوية الأزمة بسبب كورونا

لا تنفصل أزمة فيروس كورونا المستجد عن مشهد الصراع اليمني، حيث تبدو ثمة علاقة تأثير متبادل بين كورونا والصراع، وهذه العلاقة لا تعني، بأى حال من الأحوال، المبالغة فى الحديث عن تأثير كورونا فى مسار الصراع، لأنه يظل متغيرًا مفردًا يتفاعل مع معطيات الصراع ومساراته عبر رؤية فاعلى الصراع للفيروس وكيفية توظيفه. ومن هذا المنطلق، يرتبط تأثير فيروس كورونا على الصراع اليمنى بعدد من الأبعاد الرئيسية:

١- معضلة الأوضاع الصحية: فقد تكفل الصراع اليمنى بإنتاج مشهد مجتمعى وإنسانى مأزوم تبلورت ملامحه فى تدهور المؤشرات الصحية فى دولة تعانى بالأساس من مشكلات هيكلية. ووفقًا للعديد من التقديرات فإن نحو ٥٠٪ فقط من المستشفيات والعيادات هى التى تعمل داخل اليمن، ومعظمها يفتقر إلى الطواقم الطبية المؤهلة والأدوية. وعلى مدى السنوات الماضية تعرض اليمن لتفشى الأمراض مثل الكوليرا التى ظهرت كتهديد حقيقى لليمنيين، بعدما تجاوز العدد الإجمالى لحالات الكوليرا المشتبه بها ٢ مليون و٣٠٠ ألف حالة خلال الفترة من أكتوبر ٢٠١٦ إلى يناير ٢٠٢٠. كما اكتسب مرض حمى الضنك اهتمام الكثير من المنظمات الدولية مؤخرًا على خلفية انتشاره فى أكثر من مديرية باليمن، حتى إن بعض التقديرات تذهب إلى أن إصابات حمى الضنك تجاوزت ٣٠٠٠ شخص.

وفى سياق كهذا، يشكل ظهور فيروس كورونا، واحتمالات انتشاره داخل اليمن، معضلة جوهرية، فالبنية التحتية الصحية لن تستوعب احتمالية انتشار الفيروس، كما أن توافر المستلزمات الطبية اللازمة، ومتطلبات مواجهة كورونا، مثل توافر المياه النظيفة لكافة الأفراد، يمثل مشكلة حقيقية لليمن، خصوصًا مع قرار بعض المانحين الدوليين بخفض المساعدات لليمن نتيجة لسياسات الحوثيين العدوانية. علاوة على ذلك، فإن تزامن ظهور فيروس كورونا مع وجود أمراض أخرى داخل اليمن يضاعف من تأثير كورونا على الأوضاع الإنسانية باليمن.

٢- حسابات الحكومة الشرعية: رحبت الحكومة اليمنية بمبادرات وقف إطلاق النار والتهدئة. ففى يوم ٢٩ مارس الماضي، رحبت الحكومة بدعوة المبعوث الأممى «مارتن جريفيث» إلى عقد اجتماع عاجل يبحث وقف إطلاق النار فى اليمن لمواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا. كما أصدرت وزارة الخارجية اليمنية بيانًا ذكرت فيه أن «هذا الموقف يأتى حرصًا من الحكومة على التخفيف من معاناة اليمنيين، ومن أجل تجنيب اليمن تبعات الانتشار المحتمل لكورونا». ودعت الحكومة اليمنية المجتمع الدولى ومجلس الأمن إلى «الضغط على ميليشيات الحوثى للاستجابة لهذه الدعوة دون شروط مسبقة، وإيقاف خروقاتها وتصعيدها المستمر».

٣- التوظيف الحوثى للأزمة: حيث تعامل الحوثيون مع أزمة كورونا منذ بداية ظهوره فى المنطقة، وحتى قبل أن تظهر إصابات بالفيروس فى اليمن، على أنه فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب، سواء على الساحة الداخلية أو الخارجية، واستمرت ميليشيا الحوثى فى هجماتها حيث أعلنت السعودية يوم ٢٨ مارس الماضى اعتراض صاروخين باليستيين فوق مدينتى جازان والرياض بعد أن أطلقهما الحوثيون من صنعاء وصعدة.

ولم يتوقف هذا التعاطى الحوثى البراجماتى مع أزمة كورونا عند هذا الحد، ولكنهم استخدموا خطابًا تآمريًّا ضد دول التحالف العربى، فالكثير من قادة الحوثيين يروجون لسردية «فيروس كورونا المُصنّع من قبل الولايات المتحدة»، وفى السياق ذاته، وفى مقابل هذا الخطاب التآمرى، حاول الحوثيون تحسين صورتهم الخارجية عبر طرح مبادرة يوم ٨ أبريل الجاري، قبل ساعات قليلة من إعلان التحالف العربى إيقاف إطلاق النار فى اليمن، لإنهاء الحرب فى اليمن، حيث قال الناطق باسم الحوثيين إن جماعته قدمت رؤية للأمم المتحدة تنص على وقف شامل للحرب وتأسيس الحوار، وتدعو الوثيقة المعلنة إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية يمنية تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة.

٤- مبادرة التحالف العربى: فقد أعلن التحالف العربى لدعم الشرعية عن وقف إطلاق نار شامل فى اليمن لمدة أسبوعين اعتبارًا من يوم الخميس التاسع من شهر أبريل ٢٠٢٠، وهى مدة قابلة للتمديد. وكشفت المبادرة عن سعى التحالف العربى لتخفيف حدة الصراع اليمنى وتوجيه المزيد من الجهود للتعامل مع فيروس كورونا. ولعل هذا ما عبر عنه المتحدث باسم التحالف العربى العقيد الركن «تركى المالكى»، إذ أوضح أن الهدف من وقف إطلاق النار هو تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن لعقد اجتماع بين حكومة الرئيس «عبدربه منصور هادى» والحوثيين، وفريق عسكرى من التحالف تحت إشراف أممى لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم، وخطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسى شامل فى البلاد.

٥- الضغوط الدولية لتهدئة الصراع: فالكثير من الدول ترغب فى الوقت الحالى فى تهدئة الصراع اليمني، فى ظل انشغالها بمواجهة تداعيات كورونا. ومن ثم، قد تتزايد الضغوط الدولية من أجل تهدئة حدة الصراع فى الوقت الراهن، وهو ما ظهر مثلًا من خلال مطالبة الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار فى اليمن للتعامل مع أزمة كورونا، وأكد على هذا المنحى البيان الصادر مؤخرًا من مجلس الأمن الدولى الذى رحب بمبادرة التحالف العربى بإيقاف إطلاق النار فى اليمن، ويطالب كافة الأطراف بضرورة الالتزام بالتهدئة، والتواصل مع المبعوث الأممى من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للصراع.

ويفترض هذا السيناريو التزام أطراف الصراع، خاصة الحوثيين، بمبادرة الأمم المتحدة وكذلك مبادرة التحالف العربى لإيقاف إطلاق النار، والتوقف عن التصعيد بحثًا عن إطار فعلى لتسوية دائمة ومستقرة.

٣. سيناريو الفوضى

يقوم هذا الافتراض على انفصال الجنوب والسيطرة عليه سيكون بمثابة أهم الأهداف التى تحققت من هذه الحرب، لأن الجنوب إلى جانب أنه سيشكِّل حائط صد يمنع الحوثى من التمدد فى الجنوب السنى بعيدًا عن سيطرة الحوثيين، فإنه فى الوقت نفسه سيشكل منطقة عازلة تمنع الحوثيين من إيذاء السعودية ومحاربتها.

يعتقد الانفصاليون أن موقع الجنوب ومساحته التى تمثل ثلثى مساحة اليمن وشواطئه، التى تطل على جزء من مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربى هى أكثر أهمية استراتيجيًّا من بقية اليمن.

كما أن اشتعال الحرب، وفق هذا السيناريو، لن يكون بين الحوثيين وخصومهم فقط، فهناك احتمال قوى بأن تشتعل الحرب فى مناطق أخرى؛ حيث ستحاول بعض الأطراف مدَّ سلطاتها فى بعض المناطق، وفى هذا الصدد؛ من المتوقع، أن تقع حرب فى محافظة تعز بين السلفيين والمؤتمريين والناصريين وغيرهم، مع حزب الإصلاح للسيطرة على هذه المحافظة.

وفى الجنوب، سيحدث نزاع دموى عنيف بخلفيات جهوية وحزبية، فالمجلس الانتقالى سيحاول أن يسيطر على بقية مناطق الجنوب وهو ما يجعله يصطدم بخصومه الجهويين فى محافظات أبين وشبوة وربما حضرموت والمهرة، وخصومه السياسيين كحزب الإصلاح.

ومن ناحية أخرى فإن تنظيم القاعدة وداعش سيبرزان فى بعض المناطق فى مواجهة الحوثيين والمجلس الانتقالى فى الجنوب، سواء أكان ذلك بشكل منفرد أو بالتحالف مع جماعات أخرى كحزب الإصلاح أو السلفيين أو غيرهم، فمناخ الصراع سيكون مواتيًا لهما أفضل من الوضع الحالي. كما أن من المتوقع أن تدعم بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر هذه التنظيمات لمحاربة الحوثيين أو أطراف أخرى.

من الطبيعى وفق هذا السيناريو أن تكون الحرب أكثر دموية والأطراف المتحاربة أقل التزامًا بقوانين الحرب، وبالأعراف القبلية والاجتماعية؛ لأنهم لن يكونوا حينها محكومين بجهات تخشى العقوبة واللوم والمساءلة، وبالطبع ستكون الجماعات الإرهابية هى أكثر الأطراف التى يتوقع أن تمارس هذه الأعمال، وهو الأمر الذى سيخلق ردود أفعال من أطراف أخرى والدخول فى دائرة عنف بشعة من الفعل ورد الفعل، على غرار ما حدث فى سوريا والعراق والجزائر.

ومن المتوقع فى مناخ صراع كهذا أن تتخذ الحرب طابعًا مذهبيًّا وجهويًّا وقبليًّا وسُلاليًّا، وهو ما سيؤدى إلى عمليات تطهير سكانى كبير.

٤. سيناريو اليمن الاتحادى

منذ سقوط نظام الرئيس صالح ارتفعت الأصوات المنادية بتغيير شكل الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة اتحادية. وكانت المبررات التى تقف خلف هذه الدعوات تتمثل فى أن الدولة الاتحادية ستُضعف الدعوات المطالبة بانفصال الجنوب، وستحل مشكلة المركزية السياسية والمالية والإدارية، والتى يرى أنصار الفيدرالية أنها تمثل جوهر المشكلة اليمنية.

وقد منح هذه الأفكارَ الزخمَ وصولُ رئيس جنوبى للسلطة، والذى جعله منحازًا إلى الفكرة كونها ستمنح الجنوبيين قدرًا أكبر من السلطة وسيطرة أكبر على مناطقهم ومواردها، وتخلق توازنًا يحد من التفوق السكانى للشماليين مقابل الجنوبيين. وبالإضافة إلى ذلك؛ وجدت فكرة الدولة الاتحادية صدى لدى عدد كبير من النخب السياسية الشمالية التى لا تنتمى لمنطقة الهضبة العليا، والتى يعتقدون أن سكانها يهيمنون على السلطة منذ نظام على صالح والأنظمة التى سبقته، وتحديدًا منذ أن تأسست الدولة فى شمال اليمن عقب خروج العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى.

فخلال تلك الفترة، سيطر السكان المنحدرون من تلك المنطقة على السلطة، وخاصة على مؤسسات (الجيش والأمن)، وأصبحوا عمليًّا هم الطبقة الحاكمة خلال الحكم الإمامى والجمهورى فى شمال اليمن قبل الوحدة، وفى دولة الوحدة بعد حرب ١٩٩٤.

ووفقًا لذلك، تم العمل من قبلهم على تبنى الفدرالية فى مؤتمر الحوار الوطني، وتم فى وقت لاحق تحديد عدد أقاليم الدولة الاتحادية المخطط لها بـستة أقاليم، وتم تأكيده فى مشروع الدستور الدائم لليمن، والذى تم استكمال كتابته قبل أشهر من الحرب.

ومنذ انتهاء مؤتمر الحوار دفع المبعوث الدولى وسفراء الدول الكبرى مجلس الأمن لتأييد الدولة الاتحادية، وبعد الحرب تم تبنى صيغة محددة من قبل «دول التحالف» والدول الداعمة لها تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار، والتى تنص على الدولة الاتحادية مرجعية لأى حوار وتسوية تنبثق عنه.

وسيناريو الدولة الاتحادية يعنى استكمال المرحلة الانتقالية من نقطة توقفها فى ٢٠١٥ قبل الحرب، عبر إجراء الاستفتاء على الدستور، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية، وتقسيم الدولة إلى ٦ أقاليم، ثم إجراء انتخابات رئاسية تنتهى حينها المرحلة الانتقالية وتبدأ المرحلة الدائمة.

ويتبنى الرئيس هادى مشروع الدولة الاتحادية بكل قوة لأنه يمنحه المبرر للاستمرار فى السلطة، حتى انتهاء «الفترة الانتقالية» وفق المبادرة الخليجية، ويقطع الطريق أمام الأفكار الأخرى المطروحة للحل من قبيل استبدال رئيس جديد به أو تفويضه السلطة لنائب رئيس توافقى وإجراء حوار جديد فى المرحلة الانتقالية الثانية، والتى أشرنا لها فى سيناريو التسوية.

وإلى جانب الرئيس هادي، أصبح حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة المنضوية فى حكومة هادى متمسكة بخيار الدولة الاتحادية ورافضة لأى حلول خارج هذا الحل.

من جهة أخرى، يرفض الحوثيون بشكل مباشر أو غير مباشر صيغة الدولة الاتحادية وتحديدًا فكرة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعتبرونها جزءًا من مؤامرة تمزيق وتقسيم اليمن، وهو الموقف الذى كان يعبِّر عنه الرئيس السابق، على صالح، بوضوح، والذى كان يرفض فكرة الفيدرالية والدولة الاتحادية بأية صيغة كانت. وإلى جانب هؤلاء، ترفض القوى الانفصالية- وتحديدًا المجلس الانتقالى- فكرة الدولة الاتحادية وترى فيها مؤامرة وعملية التفافية لحرمان الجنوبيين مما يعتبرونه حقهم فى تقرير مصيرهم؛ حيث يرون أن مشروع الدولة الاتحادية سيؤبد دولة الوحدة ويلغى فكرة الانفصال بشكل نهائى.

ولتنفيذ سيناريو الدولة الاتحادية يتطلب الأمر انتصارًا شاملًا ونهائيًّا للرئيس هادى والتحالف الحاكم المكوَّن بشكل رئيس من حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة، على الحوثيين وعلى المجلس الانفصالى وعلى القوى التابعة لأنصار الرئيس السابق، على صالح، والتى تُعرف بحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح.

ولكن يظل تحقق هذا السيناريو محفوفًا بعدد من التحديات، ربما أهمها الحاجة إلى تصاعد حدة الضغوط الدولية على الحوثيين لإنهاء التصعيد، لا سيما مع التكلفة التى يتحملها المجتمع فى الوقت الراهن لمواجهة فيروس كورونا. علاوة على تراجع حسابات القوة لدى الحوثيين من زاويتى صعوبة السيطرة العسكرية على مدينة مأرب، وكذلك تنامى الصعوبات التى تواجهها طهران داخليًّا بسبب وباء كورونا، والتى على إثرها يتيقن الحوثيون من أنهم لن يحصلوا على أى دعم إيرانى خلال فترة زمنية لن تكون بالقصيرة.

فى الختام يحتمل السياق الراهن، الذى يضم العديد من المتغيرات التى لا تقتصر فقط على فيروس كورونا، سيناريوهات مختلفة لمستقبل الصراع اليمنى تتراوح بين بداية تسوية الصراع والالتزام بالتهدئة، واستمرار الصراع. \