فى عام كورونا 2020، كان لزامًا أن تُضمن هذه الجائحة فى انشغالات فعاليات الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة بتاريخها العالمى 25 نوفمبر من كل عام، والتى قُرر لفعالياتها أن تمتد لستة عشر يومًا، فقد ألقت الجائحة بثقلها فى افتقاد النساء للشعور بالأمان المجتمعى، خلخلت كورونا وضعية أسرهن التي حُجرت بالبيت وصارت مسؤلياتهن تتضاعف، ووجدت المرأة نفسها فى معادلة صعبة كيف لها أن تمنح الاستقرار النفسى لأفراد عائلتها مع ضغوط الحجر والعزل، الكل بمواجهة بعضهم البعض، وإذا ما سلمنا بمقاسمة أفراد المجتمع لصدمة وإرباكات الوباء، لكن جهدها مضاعف فى إيفاء دورها المنزلي بموازاة الوظيفي، ولن نغيب وضعية المرأة (فتاة أم زوجة) التى توفر مدخولها بعمل منزلي، ومن اقتصاد ظل غير مدرج في برامج الدولة للدعم والمساندة، والمرأة (فاقدة الزوج) المعيلة لصغارها، وبانتباهة راصدة لأوضاع مابعد متغيرات بعض بلداننا التى عبرت بنزوح وهجرة وحروب تطرف وإرهاب، وصراع على السلطة، منه ما رافقه التسلح فصارت لعلعة الرصاص والموت المجانى فى الأزقة والأحياء، تحملت فيه النساء عيش العوز والحاجة، والسعي لتعويض الفقد، أرملة أو مطلقة أو مهاجرة وحيدة، كما معاناة المرأة المتزوجة بغير جنسيتها ولا تطالها وأبناءها حقوق مواطنتها، وتُستبعد مما يفى ويخلق لها أستقرارا ماديا وبالتالي نفسي، كل هذه النماذج تطالها مشاعر العجز وفقد الأمان الاقتصادى والنفسى، مع مضاعفة الجائحة لأثرها تقابل النساء مظالم وضغوط مجتمعية، معبر عنها بممارسة العنف اللفظي الذى ينال من كرامتها وشخصها فى سعيها لأجل تحمل مسئولية نفسها، كما من تحتضنهم،صغارها من يصرخون بسمعها لأجل لقمة تسد جوعهم،ومتطلبات حياتية تعليمية وصحية،كم من الأرقام التي تصدرها بهذا الشأن منظمات مدنية محلية أو دولية، نطالع لنساء بلداننا فى أوضاع تهديد ومساس بحقوقهن.
ولعل أوضاعنا الحالية إذ نمر بأعقد وباء عرفته البشرية _ وإن تباشير اللقاحات بدأت تلوح - تُلزم النظر أيضا إلى العنف الناتج عن توقف دوران عجلة الاقتصاد،وفي هذا ماينال بالضرر، عنصري المجتمع رجلا وامرأة، وليس لنا أن نُميز فى فداحة أثر ذلك، ونعنى البطالة، وأرقامها تتصاعد فى مجتمعات متقدمة، مابالك بمجتمعاتنا النامية،تقليص أو تسريح العمالة بالعديد من المؤسسات فى قطاعات شتى، يُلقى بثقله ويهدد الاستقرار النفسى والمادى،ما قد يعبر عنه بالعنف الاجتماعى بأفرازات مشاعر الغضب والقهر، والتى تذهب باتجاه إفراغ الشحنة بالتنفيس عنفا وإجراما،وما كشفت عنه دراسات من انخراط بجماعات متطرفة توظف ذلك الفراغ النفسى والحرمان الاقتصادي،وتنذر بخلخلة نظم المجتمعات التى لاتلقى بالا لنهج السياسات والآليات المعيقة لتحقق ذلك، ومنه وقف البناء والتنمية فيها إذ يضيع موردها البشرى في سياقات يمتد أثرها، لم تعالجها استباقيا وقبل أن تتسع الدائرة.
ورغم عنف كورونا إزاءنا اليوم، سنشير إلى روح مقاومة ما فتأت البشرية تواجه بها محنتها، جهود ومساعى تواصلت لمنظمات مدنية أقليمية ودولية،منذ إطلاق هذا اليوم الدولى لمناهضة العنف ضد النساء،محدثة أثرها،ومنها المكاشفة بما يحصل من معيقات لأمن واستقرار المرأة على كل المستويات وما ظل مسكوتا عنه، والرصد الذي يلامس مجتمعات "أطراف" كانت مُهمشة،ولعلنا نُذّكر أن الأمان والاستقرار النفسى المجتمعى، وفرص تحقق الذات الإنسانية بما يحفظ كرامتها، فعلٌ لا يكتمل إلا بتشارك طرفي المجتمع فى صنعه بلا تمييز.