لا يمكن أن ننسى الدور التنويرى الذى قامت به الصالونات الثقافية في مصر في القرن العشرين ومنها صالون الأديب والمفكر الكبير عباس العقاد وصالون عميد الأدب العربى طه حسين وغيرهما من صالونات الأدب والفكر بل والسياسة أيضا.
ولم تتوقف الصالونات الأدبية، في عصرنا الحالى عن بث الثقافة المعتدلة، لجمهور الأدب والمواطنين المهتمين بالثقافة والفكر، فضلا عما تقوم به من تواصل بين الأجيال، ومنحهم خبرات شيوخ الأدب والفكر، فكان هناك حتى وقت قريب عدد كبير من الصالونات الأدبية في العاصمة والمحافظات، من أهمها صالون الأديب الكبير الراحل محمد مستجاب، في منزله البسيط في منطقة العمرانية بالجيزة، وصالون الدكتور الراحل عبدالمنعم تليمة أستاذ الأدب بجامعة القاهرة، وصالون الزميل حزين عمر الذى كان يعقد في جريدة المساء أحيانا وأحيانا أخرى في نقابة الصحفيين، وتسلمت الراية منه الزميلة هالة عمر الآن.
وكان صالون الكاتب الصحفى الكبير والأديب محمد جبريل أحد المنارات المهمة في عالم الأدب والثقافة، قبل أن يتوقف مؤخرا بسبب مرض أديبنا الكبير – شفاه الله- وصالون الإعلامى والشاعر الراحل جلال عابدين الذى كان يقيمه دائما في إحدى قاعات دار الأوبرا.
وحاليا هناك عدة صالونات يقوم عليها إما مهتمون بالشأن الثقافى والتنويرى وإما أدباء وصحفيون منها صالون الأديب الدكتور محمد حسن عبدالله الذى يعقد في الجمعة الأخيرة من كل شهر وصالون الدكتور محمد عبدالمطلب أستاذ الأدب بكلية الألسن بجامعة عين شمس وصالون الدكتورة هبة دربالة الذى تقيمه بشكل شهرى في مدينة المنصورة، وصالون الزميلة الصحفية والأديبة سلوى علوان التى تصر في دأب على تقديمه منذ عدة سنوات بعد أن نجحت في إشهاره مؤسسيا في جمعية ثقافية.
والخميس الماضى كانت انطلاقة قاهرية لأحدث مولود في سماء الثقافة والتنوير لصالون الزميل الكاتب الصحفى محمود الشربينى في مقره الجديد بوسط البلد، بعد أن بدأ نشاطه في محل إقامته ومسقط رأسه في مدينة شبين القناطر منذ عدة أشهر.
والشربينى الذى يبدأ خطاه على عتبات العقد السابع من عمره لا يزال يتشبث بالأمل فهو رغم وطأة متاعبه الصحية يملك عنفوان الإرادة، كما يملك حماس الشباب الطاغى، فأحلامه ومشروعاته لا نهائية، يراها سهلة المنال والتحقق، ويرى أن العمر ما زال أمامه، وأن العجزة هم من لا يملكون أحلامهم.
الشربينى وأمثاله الذين يزودون عن أحلامهم بجهدهم وقوت أبنائهم، يستحقون منا التحية والدعم، هؤلاء هم الذين وضعوا أنفسهم في الصف الأول من صفوف المقاومة في عصر سمته الأولى هى المادة واللهاث خلفها، والشعر والأدب والفن في أدنى اهتمامات القوم الآن.
هؤلاء من يحملون مشاعل الفكر والثقافة ويزرعون في حياتنا الثقافية نبتة جديدة تزهر بالتنوير وتغرس في قلوبنا زهرة الأمل.
الثقافة ليست ترفا يمكننا أن نستغنى عنها بل هى حائط الصد الأول عن ثوابتنا وثقافتنا، وهى القوة الناعمة التى تسلحت بها مصر وكانت وسيلتها في نشر ثقافتها في محيطها الإقليمى والعربى، لعقود قبل أن تنحسر لصالح المد السلفى الذى أنتج لنا في النهاية موجة التشدد التى نعانيها الآن.
الإنفاق على المنتج الثقافى وإن كان شديد الكلفة إلا أن مردوده عالى القيمة، وشديد التأثير والأهمية، في مواجهة الفكر الظلامى الذى يهدد السلام الاجتماعي، ويكرس للردة الثقافية التى نعانيها منذ عقود، بسبب التشدد الأعمى، والانشغال عن الثقافة الجيدة التى تبنى العقول وتحصن النفوس. أتمنى أن تجد هذه المؤسسسات الثقافية الدعم المطلوب من الدولة كى تستمر في عطائها خاصة أصحاب الصالونات الجادة التى بدأت منذ فترة وما زالت تكافح من أجل البقاء على ساحة الأدب في عطائها الثقافي.