الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما وراء البطاقات الحمراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أصبحت دراسات سمية مبيدات الآفات على الثدييات والكائنات غير المستهدفة بما في ذلك الإنسان من الأمور المهمة التي يجب إجراؤها لمعرفة التوصل إلى العلاج المناسب في حالات التسمم. وفي التاريخ الحديث تبين أن هناك خمسة مراحل لدراسات سمية المبيدات. المرحلة الأولى تشمل دراسات ميكانيكية إحداث الفعل السام وأعراض التسمم المرئية على الثدييات. فعلى سبيل المثال، في حالة المبيدات الكلورينية العضوية، كانت أعراض التسمم الحاد تشمل تنميل في اللسان وعضلات الوجه، زيادة الحساسية للمنبهات الخارجية مثل الضوء، الصوت والاحتكاك، ارتجافات وارتعاشات وتقلصات، هبوط في معدلات التنفس، شلل وقد يصل الأمر إلى الوفاة. أما أعراض التسمم المزمن فتشمل فقدان للوزن، أنيميا، ارتعاشات، ضعف عضلي، تعرق وعدم تحكم في حركة العضلات الإرادية.
‎أما المبيدات الفوسفورية العضوية، المثبطة لإنزيم الإسيتيل كولين إستريز بالجهاز العصبي فإن أعراض التسمم الحاد التي تحدثها تشمل سيلان اللعاب، التدميع، التعرق، سقوط جفن العين، رؤية ضبابية، إلتهاب في الملتحمة، قيئ، غثيان وتوسع حدقة العين. أما التسمم المزمن، فيشمل تشنجات، إسهال، سرعة أو بطء ضربات القلب، انخفاض أو زيادة ضغط الدم، ضعف عضلي، حالة من الكسل، الشعور بالإجهاد، صداع وصعوبة التنفس. وبالنسبة للمبيدات البيريثرويدية المخلقة، فإن إحدى ميكانيكيات إحداثها لفعلها السام يعتمد على إحداث تثبيط لمجموعة من إنزيمات (ATPases) بالجهاز العصبي، الارتباط بمستقبلات حامض جاما أمينو بيوتيريك في قنوات الكلوريد ومن ثم التأثير على إنسياب النواقل العصبية. بناءً على ذلك، فإن أعراض التسمم بهذه المبيدات تختلف تبعًا لإحتواء أو عدم إحتواء المبيد على ذرة سيانيد. في حالة عدم وجود ذرة سيانيد، فتكون أعرض التسمم متمثلة في الشعور بالقلق، عدم الهدوء، سلوك عدواني، إجهاد، ارتعاشات، إلتهابات جلدية، حساسية بالصدر والإصابة بالربو. أما في حالة المبيدات المحتوية على ذرة سيانيد، فتسبب عدم تحكم في الحركات الإرادية (التخلج)، فرط النشاط، إحساس بالتنميل في الجلد، الدوار، تجنب الضوء، إحتقان بالملتحمة، عثيان وقيئ، إجهاد، ارتعاشات، زيادة إفراز وسيولة اللعاب وتشنجات.
‎أما المرحلة الثانية من دراسات التأثيرات السامة المرئية للمبيدات على الثدييات والإنسان فكانت من خلال استخدام الدلائل الحيوية المختلفة مثل الدلائل الحيوية الدموية، دلائل حيوية تشير إلى تسمم الكُلى، الكبد، الرئتان، الجهاز العصبي، حدوث السرطان ودلائل أخرى تشير إلى تأثر الجهاز الوراثي بالجسم. من هذه المرحلة الثانية، إمكن استخدام النتائج المتحصل عليها إلى إجراء ما يعرف بالإستقراء وهو المقصود باستخدام بيانات دراسات السمية التي تم الحصول عليها من التجارب على الحيوانات لمحاولة الإستفادة منها وتطبيقها على الإنسان. وفيما يتعلق بالمرحلة الثالثة والتي تشمل دراسة التأثيرات السامة للمبيدات على المستوى الخلوي والوراثي، فقد أمكن استهداف العديد من العضيات والمكونات الخلوية لبحث تأثير السموم عليها بداية من الغشاء الخلوي، الميتوكوندريا، الليسوسومات والبروتينات وتخليق البروتينات، الأحماض النووية (DNA، RNA) وغير ذلك من اختبارات عديدة تستهدف المكونات والوظيفة الخلوية. أما عن اختبارات السمية الوراثية (السمية الجزيئية) للمبيدات، فقد اشارت الدراسات العديدة إلى ان هذه النوعية من الاختبارات تعتمد على كشف ما تحدثه المبيدات من إنحرافات كروموسومية، تبادلات بين الكروماتيدات الأشقة، الحث على تكوين الأنوية الدقيقة، تجزيئ الحامض النووي (DNA) (Comet assay)، اختبارات الطفرات الوراثية سواءً باستخدام الخطوط الخلوية، البكتيريا، نماذج الحيوانات المعدلة وراثيًا أو حدوث الموت الخلوي الفسيولوجي (Apoptosis).
‎أما المرحلة الرابعة فتشمل دراسة تأثير المبيدات على جهاز الغدد الصماء، وقد أُطلق على المبيدات المؤثرة على هذا الجهاز مصطلح (المعطلات الهرمونية) (Hormone Disruptors). وقد أشارت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة أن هناك 90 مبيد ما بين بعض المبيدات الحشرية، الفطرية وأخرى مبيدات حشائش يعملون كمعطلات هرمونية بالثدييات والفقاريات والإنسان. ومن الهرمونات المتأثرة بهذه المبيدات كان الإستروجين والإندروجين، البروجيسترون، التستوستيرون وغيرهم. وتكمن الخطورة أنه إذا تم تعرض الجنين لأي من هذه المعطلات من خلال تعرض الأم أثناء فترة الحمل، فإن التأثيرات لا تظهر إلا بعد ولادة الجنين ووصوله إلى مرحلة البلوغ. تلك التأثيرات تكون على نمو وتطور الجهاز العصبي والمخ مما قد يسبب انخفاض مستوى الذكاء، خلل في التركيز ومشكلات في التناسق الحركي والإتزان علاوة على خلل في المهارات الحركية والنفسية.
‎وفي المرحلة الخامسة، فهي التي تختص بدراسة التأثيرات غير المتوقعة للمبيدات. تلك المرحلة أمكن تقسيم أبحاثها إلى ثلاثة أقسام رئيسية. القسم الأول يشمل تأثير بعض المبيدات على الإصابة بمرض التوحد والذي ينتج عن أضرار منتشرة بالعديد من المناطق المهمة الخاصة بنمو المخ بالجنين الأمر الذي ينتج عنه سلوك غير طبيعي محدد ومتكرر بعد ولادته وصعوبة في التواصل الاجتماعي والتأثير على قابلية المخ من حيث تداوله للمعلومات. وقد يتطور الأمر في بعض الأحيان إلى ظهور بعض حالات من الصرع وأضرار سمعية وبصرية. وفي إحدى إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فقد تبين أن هناك 1-2 طفل مصابين بالتوحد من بين كل ألف مولود. ومن بين المبيدات التي كشفت الدراسات عن أنها تسبب التوحد هي مبيدات (ددت، كلوربيريفوس، ديازينون وسيبرمثرين).
‎بالنسبة للقسم الثاني فيشمل دراسات التأثيرات على السلوك الجنسي والتي أكدت على تأثير بعض المبيدات على العلاقات الجنسية، وخفض الرغبة والتسبب في ضعف الإنتصاب لدى الرجال وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى خفض مستوى الإخصاب ومن ثم يعتبر أحد أسباب العقم وانخفاض معدلات المواليد بالعديد من دول العالم. فقد اتضح أن نحو 60-80 مليون زوج وزوجة يعانون من العقم على مستوى العالم بينهم 15-20 مليون في الهند فقط. أيضًا، أشارت الدراسات إلى أن ضعف الإنتصاب هو الذي ترجع إليه مسئولية العقم لنسبة تصل إلى 10% من تعداد الرجال حول العالم. وبالطبع فهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا هامًا ورئيسيًا في الإصابة بضعف الإنتصاب مثل العوامل النفسية، الفسيولوجية، المرضية، الاجتماعية، البيئية، والتغذية وكذلك التعرض للمبيدات. وفي هذا الشأن، فقد قام أحد العلماء بإجراء دراسة في محافظة دمياط أوضحت نتائجها إلى أن هناك علاقة وثيقة بين التعرض المزمن لبعض المبيدات وبين الإصابة بضعف الإنتصاب.
‎أما القسم الثالث من هذه الدراسات فهو المختص بالتأثيرات النفسية التي تحدثها المبيدات والتي تتمثل في إصابة المتأثرين الذين سبق لهم التعرض الكثيف أو التسمم بالمبيدات بحالات من الاكتئاب والتفكير في الانتحار. تلك التأثيرات قد أمكن إثباتها بالعديد م دول العالم مثل البرازيل، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، كوستاريكا وجنوب أفريقيا وفي إنجلترا.
‎في نهاية هذه المقالة يتضح لنا جميعا مدى خطورة التعرض للمبيدات بكافة أنواعها وأنه لا يوجد ما يسمى بالمبيد الآمن ومن ثم لا بد من تقليل أو منع التعرض للمبيدات بأقصى درجة ممكنة خاصة للسيدات أثناء فترات الحمل. ولعل من أفضل الخطوات التي إتخذتها وزراة الزراعة من خلال لجنة مبيدات الآفات الزراعية هو مشروع مطبقي المبيدات ليشمل جميع محافظات الجمهورية وكذلك حدوث التزايد المعنوي في المبيدات الأكثر أمانًا ذات البطاقة الخضراء والانخفاض المعنوي الشديد في المبيدات الخطرة ذات البطاقة الحمراء.
————————————
* أستاذ كيمياء وسمية المبيدات
كلية الزراعة جامعة عين شمس
عضو اللجنة الوطنية للسميات