تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم تكن جولة الشاب الصحفي،عبد الله الأمام،والتي أستمرت لما يزيد عن الشهر بليبيا شرقا وغربا وجنوبا،جولة عابرة تمس معالم الامكنة ذكرا وتتركها،بل أظهر كتابهُ( ليبيا - الشارع الطويل)، أنشغالا بما هجس به واقع ليبيا الاقتصادي والمجتمعي ستينيات القرن الماضي،ومن ذلك تخصيصه لما يتجاوز الخمسين صفحة عن ما صاحب فورة الذهب الأسود من متغيرات،والذي أطلق عليه مُسمى " الساحر"،الذي قلب حياة الناس،طارحا ما قرأه بالصحف والمجلات الليبية التي كان موضوعها الأول،ومنهُ تقرير لجنة البترول في جريدة برقة،ومجلة ليبيا الاقتصادية التي نشرت دراسة عن آثار البترول الاجتماعية والاقتصادية،لكاتب وخبير بترولي دولي،كما كشف الامام عن مخاوف عبر عنها بحث كتبه "جيمس ونستشر" لمجلة ريدرز إيجست،من نمو قوة مناهضة لأمريكا،كون الاستكشاف والإنتاج البترولي سينقذ أوروبا الغربية.ويلخص لقرائه دراسة البنك الوطني الليبي عن مشكلة التضخم المالي الحاصل نتيجة زيادة الاستثمار والإنتاج والدخل،لكنه تضخم فضح معايب في تنفيذ البرامج التنموية المقررة،ما أبان عن تعقيدات صاحبت عملية التنمية الاقتصادية في البلاد وقتها.ورغم أشارته بأنه ليس ضليعا أقتصاديا ليضع تعليلاته حول ما يمور في ليبيا وقوى العالم المهتمة بزيتها الاسود،لكنه يقتنص فقرات من تصريحات بعثة البنك الدولي ويعلق برأيه حولها،من أنها تقف ضد نمو الاقتصاد الليبي،وفي اتجاهه نحو الاعتماد على النفس،فلا تطالب بالتصنيع،ولاتطالب بتحديد التسعيرة من الحكومة وبنكها لتجار القطاع الخاص وهو من مسببات التضخم،ثم يستند في تعليله أيضا على مكتب العمل الدولي حول الهجرة من الاراضي الزراعية والمراعي إلى منابع النفط مايهدد الإنتاج المحلي وعمالتهُ،حتى أنه أستند إلى قولٍ لوالي برقة في البرلمان:لو استمرت حركة الهجرة فأننا سنضطر إلى استيراد الفجل!.
ولم يغب عن قلم عبدالله الامام ما أشار أليه من غرض في مقدمته للكتاب، وهو دراسة المجتمع المحلي الليبي،سنقرأ صفحات عن معايشته مجتمع الطوارق،بدت كما قراءة انثربولوجية لثقافة إنسانه عادات وتقاليد وطقوس بمدينة غات،ثم نظرته لوضعية المرأة الليبية في الشرق والغرب والجنوب كما قاربها،منتبها إلى براح نساء البادية وتحررهن في فضاء الحياة اليومية،وكذلك نساء واحتي غات ومرزق،فيما أنتقد أوضاعها في العاصمة مطالبا بأن تفك أسرها من قيود مجتمعها، مكتفيا بأستطلاعه لتواجدها بمعهد المعلمات الاول بها،وقد قابل مديرته،ثم طالبة به تنشط كسكرتيرة لجمعية النهضة النسائية،على الرغم من أشارته لأعتزازه برؤية وسماع أصوات نساء طرابلس في مظاهرة تطالب بموقف ليبي وعربي من القضية الفلسطينة ثم فتح سؤالا أستقصائيا للشباب من الجنسين عن الطريق الخاطيء لاختيار شريك العمر بعدم تعرفهما على بعضهما، والاتجاه للزواج من الاجنبيات وسنطالع رأي المعلمة فتحية مازق كمثال.
ونحن نطل على هذا الكتاب المهم نشير أيضا إلى بعض الهفوات التي قد تكون مبررة لتأخر نشره، فبين سنة جولته عام 1963،وسنة نشره عام 1969م سنوات ست،حتى وإن نشر منه كتحقيق صحفي عن ليبيا فور عودته في صحفية "روز اليوسف"، فقد سهى عن أسماء لمناطق ليبية،وأهمل ذكر شخصيات أعتبارية قابلها كوزير الداخلية،ورئيس المجلس التنفيذي لولاية برقة، ومدير المطبوعات بطرابلس من رافقه ببعض جولاته،ورئيس نقابة عمال البترول،وعن مكان حدث إعلان أول جمهورية عربية (الجمهورية الطرابلسية 1918م)،ومكانها أمسلاته،وليس مصراته كما ورد،أو معلومته غير الصحيحة عن أصدار "عُملة" بأسم حاكم فزان أحمد سيف النصر!، أو عن قاعدة بحرية أمريكية أسمها "هون" بطرابلس ولعله تقصد "هويلس"،لكن الكتاب يمثل مرجعا هاما أنثربولوجيا، وتأريخيا لليبيا أول الستينيات وخاصة وضعها الأقتصادي،وبقلم صحفي رشيق،بصياغة وأسلوب مكثف يجعل من قارئه لايمله،وقبل كل ذلك روحه الرحبة وصبره في قطع تلك المسافات،مدنا وقرى وأحياء،وزيارته مؤسسات خدمية وتعليمية،ولذلك أنصح بقراءته كوثيقة وشهادة في يومنا هذا، فالكتاب مُتاح على شبكة الإنترنت.