الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأخلاق بين الواقع والمأمول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إن الأخلاق ما هى إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية. فالغربيون لم تتحسن أخلاقهم بمجرد أنهم أرادوا ذلك. لقد تحسنت ظروفهم الحضارية والاقتصادية فتحسنت أخلاقهم تبعًا لذلك. ومن الظلم أن نطلب من الإنسان الكادح الذى يعيش فى كوخ فقير أن يكون مهذبًا أو نظيفًا أو صادقًا. إنه مضطر أن يكذب وأن ينافق وأن يسرق لكي يدارى معاشه العسير. وليس بمستطاعه أن يكون نظيفًا، لأن النظافة بين أبناء الأكواخ تعد ترفًا ليس له معنى. (د. على الوردى، «وعَّاظ السلاطين»، ص 270)
يرى الدكتور على الوردى أن العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها لمجرد أن تعظ الحاكم أو تخوفه من عذاب الله، فالحاكم قد يخاف الله أكثر منك، وهو قد يعظك كما تعظه، ويتضرع بين يدى ربه ربما مثلما تتضرع. وأنت لو قمت بوعظه ألف مرة لظل كما كان- يظلم الناس- ويقول ساعدنى يارب!. إن الحاكم لا يستطيع أن يكون عادلًا من تلقاء نفسه، إذ هو قبل كل شيء إنسان، فيه من نقائص الطبيعة البشرية ما فى غيره، وهو مهما كان تقيًا، فإنه لا يفهم العدل كما يفهمه رعاياه القابعون في الأكواخ البعيدة. (ص 262)
يقول الدكتور على الوردى: «إنى لا أريد من وراء كتابى هذا إقناع إلا من يريد أن يقتنع، أما الذى لا يريد أن يقتنع فليس لنا حياله أية حيلة» (ص 230) وهو يقصد من وراء هذه العبارة أن الذى ينشأ فى بيئة اجتماعية معينة، ويُربّى على تقاليدها ومقاييسها الفكرية يصعب عليه أن ينظر فى الأمور نظرة مجردة. إن المقاييس الفكرية الخاصة بمجتمعه قد انغرزت فى عقله، وأصبحت تسيطر على تفكيره، وتوجه سلوكه من حيث لا يدرى. فتفكيره محاط بإطار لا شعورى، هو يظن أنه حر فى تفكيره، ولكنه واهمٌ فى ذلك، فهو لا يختلف من حيث خضوعه للقيود الفكرية عن غيره من الناس. والمشكلة أنه يلاحظ قيود غيره، ولا يستطيع أن يرى قيوده الخاصة. 

إن كثيرًا من رجال الدين والدعاة يكتبون ويخطبون معلنين للناس أنهم ينطقون بالحق المبين، فى حين أنهم غير مدركين بأن ما يقصدونه لا يزيد عن كونه الوهم الذين يؤمنون هم به، ويطالبون غيرهم من الناس باعتناقه. (ص ص 230 – 231)

لا يستطيع الإنسان التمييز بوضوح بين الحق والباطل حين يلتبس عليه الأمر، فكل إمرئ يدعى أنه مع الحق، ويأتي بالأدلة العقلية والنقلية لتأييد رأيه، فالناس فى الغالب متعصبون فى رؤيتهم للحق والباطل من حيث لا يشعرون. فكل إنسان على عقله إطار يحد من تفكيره، فالإنسان لا يستطيع أن يرى شيئًا إلا إذا كان ذلك الشىء واقعًا في مجال ذلك الإطار. (ص ص 195 – 196) ومشكلة البشر آتية من كونهم يقيسون الأمور بمقاييس مختلفة، كل منهم ينظر إلى الأمور من الناحية الملائمة له، ويستهجن ناحية غيره.

إن النزاع بين البشر ليس نزاعًا بين الخير والشر كما يتوهم الوعَّاظ، إنما هو نزاع بين اعتبارين مختلفين للخير. فكل فريق يرى الخير من جانبه، ويتعصب له، ويسأل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله. ومما يؤسف له أن نجد مؤرخينا يسلكون مسلك الواعظين فى تصنيفهم الثنائى لرجال التاريخ. وهم يدرسون رجال التاريخ على اعتبار أن قسمًا منهم على حق والقسم الآخر على باطل. وتراهم لذلك ينسبون جميع خصال الخير للقسم الأول، ويلصقون جميع خصال الشر بالقسم الثاني. وإذا سمع أحدهم خبرًا يشير إلى وجود شىء من الشر فى أحد أصحاب الحق مطَّ شفتيه مكابرةً وعنادًا، وجزم بأن الخبر كاذب من أساسه. 

وبهذا يصبح عقل المؤرخين كالغربال لا يأخذ من الأخبار إلا ما يلائم مقياسه الخاص فى الخير والشر. (ص ص 116 – 117) 

يتحدث الكتاب عن على بن أبي طالب فيقول: «كان على يعتبر القرآن حمَّال أوجه». فكل فريق يستطيع أن يجد فى القرآن ما يؤيد رأيه. ولذا فإن القرآن فى نظر على بن أبى طالب لا يكفى لهداية الناس، إنه يحتاج إلى تفسير ملائم لكى يؤدى رسالته الاجتماعية التى اُنزل من أجلها».