الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كوثر نجم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وُلدتْ في العباسية بالقاهرة ثلاثينيات القرن المنصرم،ببيت تهدم فجأة، ذلك السقوط لأحجاره نجت العائلة منه بأعجوبة، بل بتضحية كبرى من الوالدة "حسيبة"، التي سعت بجهدها الكبير رغم ثقل رحمها بتوأمين، لأنقاذ أطفالها الثلاثة عشر،لكنها قضت نحبها ولم تتجاوز الثلاثين من عمرها،رفقة ابنها الصغير تحت أحجار البيت الثقيلة،وقد عَلّمت أوجاع تلك الحادثة في الطفلة ذات العشر سنوات وقتها،كوثر التي تعلقت بوالدتها المشجعة لمواهبها الأدبية والفنية التي برزت مذ كانت تلميذة على مقاعد الدراسة الاولى،وفي البيت شقيق قاص ورسام "حسين على نجم"، الذي أصدر لاحقا ديوانا شعريا وملأ البيت بلوحاته، أشهرها بورتريه الأم ثم كوثر، كان الاقرب لكوثر واهتماماتها، أما الأخوة الاخرون فقد شقوا طريقهم بسلك المحاماة،وهو مجال الأب الحنون المستنير الذي بلسم فقدهم المبكر لراعية البيت.
شقت كوثر طريقها إلى كلية دار العلوم،وهناك تعرفت على القاص الليبي على بوزقية،كان قد أكمل دراسته بالمعهد الاسمري، وهو أصيل مدينة مصراته وعائلته من كبار مشائخ زواية الشيخ أحمد الزروق،لكن طموحه أمتد إلى مصر ليواصل فيها دراسته، " كوثر وعلي" جمعتهما أمسيات ثقافية شاركا فيها بأرائهما، وتكشفا ماجمعهما،سجالات الخمسينيات: الاصالة والمعاصرة، وقضايا التحرر،ودور المثقف،تلك الامسيات بمنتديات قاهرية، حضرها من صاروا كبار الأسماء في الشعر والقصة والرواية،،ولحظتها قررا الارتباط،ورغم عراقيل وضعها أهلهما لاسباب تعددت، لكنهما لم يوليانها كبير أهتمام، ونجح أصرارهما في أقناع الجميع.ونزلت العروس كوثر عام 1957م بطرابلس الغرب،وتوظفت بوزارة التعليم،وامتد نشاطها للكتابة الصحفية، التي تُعد فيها من جيل ناهضات ليبيا اللاتي اعتمدن الكلمة،والرأي، في الدعوة لتحرر المرأة الليبية،فجاور قلمُها،أقلام كاتبات حقبة الخمسينيات،ربيعة بن مولاهم،خديجة عبد القادر التي درست بمصر1956م،وبهيجة المشيرقي الحائزة جائزة القصة عام 1955م بمجلة صوت المربي. ومنوبية عكاشة،وبدرية النعاس. وجاءت مقالاتها بجريدة "الرائد"،تحت عناوين نذكر منها: "النصر للمرأة"،"العطلة على الابواب"،"أي عصر نعيش؟"،و"مطالب المرأة العاجلة في ليبيا".غير أن أهم مقالاتها،حين استلمت مهمة تحرير صفحة "ركن المرأة" بذات الجريدة ( أغسطس 1959م)، "المرأة الليبية وحق الانتخاب" ماكان تقدميا مزلزلا لثوابت مجتمع محافظ، وفي العقد الاول من الاستقلال الليبي وبناء الدولة ومؤسساتها،حين طالبت بدخول المرأة للبرلمان،ومنحها حقوقا سياسية،ووجوب اشراكها في لجان استصدار اللوائح والتشريعات،ووجهت رسالتها إلى البرلمانيين، وسألتهم عن حظوظ النساء من نقاشاتهم واتخاذهم القرارات باسمها دون مشورتها وفهم ظروفها،ويجذر القول أن أثر شخصية ونشاط زوجها السياسي وقد كان يساريا،وملامح ذلك بانت في قصصه ومسرحياته،ومقالاته التي نشرها وقتها. 
خصت الاديبة الليبية شريفة القيادي،كوثر،بما يقارب الخمسة عشر صفحة في كتابها المهم "رحلة القلم النسائي الليبي، بعرضها نماذج من أشعارها، ما صدرا في ديوانين "فجر وغيوم" 1965م، الذي احتوى احدى عشرة قصيدة،ونداء المعركة 1968م وبه سبعة عشرة قصيدة، ومجمل أشعارها احتوت مواضيع سياسية واجتماعية،وذاتية.
كتبت كوثر في أول مقالاتها الصحفية وكان قد مر سنتين على زواجها: "رغم أنني حديثة العهد بالبيئة الليبية، ولكنني قررت عن طيب خاطر الانتماء أليها، وبنفس الروح تفاعلت مع ما اتيح لي الاحاطة به من ظروف أهلها"، وهذا مايذكرني بأول مرة قابلتها بعد ثورة فبراير 2011، بمعرض الكتاب بطرابلس،وفي قاعة الامسيات الثقافية،وقد قدمها الاديب الراحل أحمد إبراهيم الفقيه،مشيرا اليها بالكاتبة والشاعرة،اعتلت المنصة متفاعلة مع براح الكلمات التي انطلقت حرة بلا رقيب،وتحدثت عن ما يتاح لها لحظتها بعد غياب طال عن المشهد الثقافي،وذكريات مُرة طالت زوجها بالتهديد عقود الديكتاتورية،كما حجز جوازت سفر الابناء،ما اضطر العائلة للمغادرة إلى مصر ثم الجزائر وبعضهم إلى أمريكا.

في مكالمتي مؤخرا لأبنتها بالقاهرة الشاعرة وئام على بوزقيه،وقد مدتني ببعض سيرة عن والدتها(توفيت 2012) وعن ذكريات العائلة،استعدنا وقائع الندوة التي خصصت لتجربة والدتها في الصالون الثقافي المغربي(جنان آركانه) بدعوة من الشاعرة فاطمة بوهراكة،وبمشاركة عربية،والتي حملت عنوان: كوثر نجم شمس لا تغيب،وهي كذلك.