لا نزال نتحدث عن تكوين الشخصية الوطنية لما لها من أهمية قصوى، لأن هذه الشخصية وحسب مكنوناتها الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية.. إلخ تُعتبر عمود الخيمة للوطن وسنده فى مواجهة التحديات على كل المستويات، ويعتبر الإعلام بكل وسائله من أهم المجالات التى لها تأثير مباشر فى المشاركة فى تكوين هذه الشخصية، والإعلام يلعب هذا الدور منذ عصور وعصور حيث إن الحاكم ومنذ القدم كانت له أساليبه الإعلامية التى تقوم بنقل الأوامر والتعليمات إلى الجماهير وكان ذلك ما يطلق عليه اسم (المنادى)، ومع التطور الحياتى والإنسانى تطورت وسائل الإعلام من المنادى إلى قيام الصحافة أى الورق المكتوب إلى الإذاعة (تطويرا لفكرة المنادى الذى يركب الحصان) إلى التليفزيون الذى لعب دورا خطيرًا ولا يزال فى تكوين الشخصية سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب حتى أن التليفزيون فى مرحلة من المراحل كان هو الأداة الخطيرة عالميًا لدرجة أن من يُجيد استغلالها يستطيع أن يسيطر ويصنع الفكر الموجه ويخلق الوعى المزيف ويسطحه، وأخيرًا كانت النقلة التكنولوجية فيما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعى بكل مسمياتها وأدواتها المتطورة على مدى الساعة، هنا أخذ الإعلام السبق والأولوية الكبرى فى تكوين الشخصية ليس الشخصية المحلية فقط بل الشخصية العالمية وذلك لأن كل هذه الوسائل والوسائط جعلت من العالم غرفة وليس قرية واحدة، وفى ضوء هذا الواقع هل يقوم إعلامنا المصرى أو العربى بالدور المنوط به حتى يساهم فى تكوين الشخصية المصرية والعربية كما ينبغى أن يكون؟ هنا لا بد من الاعتراف بأن أى وسيلة إعلامية لن تكون وسيلة محايدة تماما، فهذا محض خيال لا وجود له على أرض الواقع فكل وسيلة سواء عامة أو خاصة تحكمها عوامل الملكية بل الأخطر أن تحكمها تلك التوجهات المطلوب بثها ونقلها للقارئ أو السامع أو المشاهد والتى من أجلها أنشئت هذه الوسيلة، ولكن لا بد أن نكون مدركين أن هذا الانحياز الجائز والوارد لا بد أن يكون من خلال المهنية الإعلامية، فالتأييد المطلق لقضية ما من أى وسيلة إعلامية لن يصل إلى المتلقى بغير لمسة مهنية تقدم جانب موضوعى من أركان القضية، أى أن هذا التأييد لا بد أن يناقش الرأى الآخر من القضية حتى يعطى الحوار والموضوع المصداقية الإعلامية التى هى كلمة السر فى التأثير الإعلامى، وهذا الدور وذلك الانحياز لا يقتصر على الجانب السياسى فحسب، ولكن الإعلام ودوره والتكوين الشخصى والتوعوى يشمل كل المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، فلا بد أن تتكامل هذه المجالات فى ظل نظرية وأفكار ومنهج موضوعى ووطنى (فى المقام الأول)، وهنا نأخذ مثلًا عمليًا عندما كان التليفزيون المصرى يلعب دورًا سياسيًا ثقافيًا وتوعويًا، حيث إن هذا الدور للأسف قد تغيب لأسباب كثيرة يمكن مناقشتها فيما بعد، ولكن هناك أثرًا لا زال قائمًا بعد وهو قناة (ماسبيرو زمان)،هى تلخيص لتكامل الأدوار لتكوين الشخصية الوطنية المتكاملة، كما أن هناك الآن برامج لا علاقة لها بأى تكوين ولا بأى شخصية بل هى تقوم بدور سلبى فى هذا التكوين خاصة فى الإطار الطبقى، فماذا يعنى أن كل القنوات بلا استثناء تبث برامج الطبخ، وهذه البرامج تدخل فى إطار الغرائب والغير معقول، فالقادرين لديهم الوسائل التى يحصلون منها على أفخر وأحدث الطبخات العالمية، كما أنهم لا يوجد لديهم الوقت لمتابعة هذه البرامج أصلا، يبقى المواطن والمواطنة اللذان يسليان وقتهما فهل هؤلاء وغير القادرين على توفير حتى معيشة تليق بالإنسان يمكن أن يستفيدوا من هذه البرامج؟ أم أن هذه البرامج يمكن أن تحدث صراعًا اجتماعيًا وحقدًا طبقيًا لن يكون فى صالح المجتمع ولا فى صالح الوطن خاصة فى ظل الظروف التى يعيشها المواطن نتيجة للإصلاح الاقتصادى الذى يتقبله المواطن أملا فى مستقبل أحسن، كما أنه مطلوب وجود الرأى الآخر وفى كل القضايا، فالرأى الآخر هو الطريق الصحيح والهادى لصاحب القرار. كما أنه حق المواطن أن يعبر عن رأيه، فالتعبير عن الرأى فى البرامج ليس تعبيرا للضيف ولكنه يكون حالة تعبيرية لكل مواطن يعيش المشكلة التى يتم مناقشتها على الوسيلة الإعلامية. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
آراء حرة
الشخصية الوطنية والإعلام
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق