يتابع المفكر الفرنسى جاك آتالى واحدا من اهم الأكاديميين فى مجال الأقتصاد ، الذى صنفتة مجلة Foreign Policy فى عددين لها صادرين فى عام 2008 و عام 2010 باعتبارة واحدا من أهم مائة مفكر فى العالم وعينة رئيس الجمهورية الفرنسية رئيسا للجنة تحرير النمو الاقتصادى الفرنسى عام 2007 . فى كتاب " غدا ، من سيحكم العالم ؟ بقولة : هذا لا يعنى البتة أن الإقدام على التفكير فى حكومة للعالم ضرب من الخيال : فالتاريخ يفوق بخيالة كل الروائيية . ينبغى بدون شك انتظار كوارث من النوعية المالية أو البيئية أو الديمجرافية أو الصحية أو السياسية أو الأخلاقية أو الثقافية على شاكلة تلك التى حدثت فى اليابان فى مارس 2011 ، تجعل البشر يدركون أن مصائرهم و أقدارهم وثيقة الأرتباط ببعضها البعض . سيعون حينئذ عظيم التهديدات الجهازية التى هم بصددها . هذه الكوارث من شانها حثهم على إدراك أن لاسوق العالمية ليس باستطاعتها العمل على الوجة الأكمل بدون سيادة قانون عالمى والقانون غير قابل للتطبيق بدون وجود دولة وأن هذه الدولة ، وإن اكتسبت صفة العالمية ، لن يستمر وجودها غذا لم تكن ديمقراطية بحق . سيصل إلى وعيهم وعلمهم أيضا أن البشرية تملك مميزات هائلة لإنجاح مستقبلها ، فلديها لتقنيات والمهارات والموارد البشرية والمالية والمادية .. و لاينقصها سوى تنظيم وحكومة ديمقراطية فعالة .
تساؤلات عدة ستثور فى الأذهان منها : هل يمكن لمثل هذه الحكومة الديمقراطية الفوق قومية ممارسة سلطة حقيقية على كل انحاء الكره الأرضية من دون الإبقاء على مناطق الانفلات الأمنى المتعددة ؟ فى أى شىء تحديداً سيقل فسادها وبيروقراطيتها وفعاليتها عن السلطات الموجودة حاليا ؟ كيف سيمكنها توزيع الموارد التى تشح يوما بعد يوم ، توزيعا عادلا ؟ هل ستتمكن من تقليل مخاطر واحتمالات الصدام الكوكبى ؟ هل بوسعها أخذ المصالح طويلة المدى فى الاعتبار ؟ هل من المتخيل أن تندمج مثل هذه الحكومة الديمقراطية الليبرالية الأمريكية والديمقراطية الاجتماعية الأوروبية مع قدرة الصين الفذة على التفكير طويل المدى ؟ تساؤل أخير عن كيفية تفادى تحول حكومة العالم هذه إلى مجرد اعتماد للقوى الفائقة التى يتمتع بها البعض ، سواء أكانت أمما أم مؤسسات تحاول أن تفرض على الآخرين شكلا جديداً من الشمولية فى ذات اللحظة التى يتحرر فيها آخر الشعبو الخاضة من طواغيتهم ؟ كثير من الناس راودتهم هذه التساؤلات منذ قرون بعيدة .. بغية إيجاد آليات للحفاظ على السلام بين الأمم . أما اليوم فغن الحرب إذا بقيت موضوعا ذا أهمية فإنها ليست بالموضوع المهم الوحيد ، فالبشر بوسعهم تدمير بعضهم البعض بعدة سبل وليس فقط بالعنف والسلاح .
وضع انهيار الكتلة السوفيتية الذى يرمزإلية بسقوط حائط برلين فى التاسع من نوفمبر 1989 ، نهاية للحرب الباردة ، وبذا أغلقت الأقواس التى فتحت مع نشوب الحرب العالمية الأولى والتى كانت أوقفت بشكل مفاجىء وعنيف مسيرة قرون نحو العولمة . فى ديسمبر 1989 نادى : ميخائيل جورباتشوف بالتعاون مع مجموعة السبعة ، وفى أبريل 1990 تم تأسيس البنك الأوروبى لإعادة البناء والتنمية " لمساعدة أوروبا الشرقية والأتحاد السوفيتى فى انتقالهم إلى اقتصاد السوق والديمقراطية ، وهو أول هيئة دولية أداءها وفق التطور الديمقراطى للبدان التى تمولها .
فى يوليو 1991 أيضا تم للأسف استقبال " جورباتشوف " من دون الترحاب اللائق فى قمة مجموعة السبعة المنعقدة فى لندن مما قلل من قدرة وثقة الناس فيه فى موسكو . وقد دفع ذلك العناصر المحافظة إلى الشروع فى عمل انقلاب أودى بتماسك الاتحاد السوفيتى ، فى ذات العام ظهرت ولأول مرة عبارة " الحوكمة العالمية " فى الهيئات الدولية وتزامن هذا الظهور مع تأسيس " ويلى برانت " للجنة خاصة بالحوكمة الشاملة لدى الأمم المتحدة . فى السنة التالية وتحديدا فى " ميونيخ " تمت رسميا دعوة " روسيا " التى حلت محل الأتحاد السوفيتى للحوار مع بلدان مجموعة السبعة .
أضحت الولايات المتحدة القوة الفائقة الوحيدة التى تسود العالم والتى لا يجادل أحد فى أمرها . لم يعد هناك ما يطلق عليه مجموعة الأثنين . انفردت الولايات المتحدة فى الساحة وبدات فى الحديث عن " نظام جديد للعالم " وهو ما يمكن أن يقترن فى الأذهان بــ" نظام العالم الجديد " الذى شرعت فى التنظير له كعادتها حول مفهوم " إمبراطورية الحرية " حتى وإن كانت هذه الحرية هى قبل كل شىء ما يسمح للمؤسسات الأمريكية بتنمية شؤونها .
فى عهد الرئيسين " جورج بوش الأب " و " بيل كلينتون " كان هناك أكبر عدد من التدخلات العسكرية فى تاريخ الولايات المتحدة " فقد تدخلت فى " الصومال " و " هايتى " و " البوسنة " و " العراق " و " كوسوفو " .
لم يعد للولايات المتحدة منافسون لا فى الغرب حيث تغرق اليابان فى الأزمة ولا فى الشرق ، حيث تعانى روسيا فى تنظيم انتقالتها ولا فى أوروبا التى يجد الاتحاد فيها مشقة فى تنظيم نفسة . وقد جعل ذلك " فرانسيس فوكوياما " يتحدث عن " نهاية التاريخ " فى حين أعلن " صموئيل هنتجتون " عن " صدام الحضارات " .
فقد سباق التسلح العسكرى بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة معنى وجوده . من هنا فقد نصت معاهدات Start1 على تخفيض ترساناتيهما بما يوازى ثلث محتواها ونصت معاهدات Start2 الموقعة عام 1993 على تقليصها بمقدار الثلثين . أما فى عام 2002 فقد جرى تخفيضها كلها بموجب معاهده Sort .
تدريجيا ورغم الأنفراجة لم تستطع قوى الفترات السابقة الكبرى والمهيمنة أن تدير وحدها عالما ارتفع عدد سكانة من مليارين عام إلى سبعة مليا1930 مليارات عام 2011 . عالم تفيق فية تدريجيا إلى الحرية قوى جديدة : إلى الحرية الاقتصادية التى ستجعل الصين من الآن فصاعدا ديكتاتور سوق قويا وإلى الحرية السياسية التى وصلت إلى كل القارات بما فيها من أنظمة ديكتاتورية كانت تبدو شديدة الرسوخ . لم تعد الولايات المتحدة فى وضع يتيح لها فرض أوامراها بسهولة .
فى عام 1997 تم فى " كيوتو " فى غياب الأمريكيين توقيع اتفاق بهدف تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى . وكان هناك فى ذات التوقيت مشروع اتفاق عالمى – مرغوب فيه من قبل الأمريكيين – يحرر الاستثمار، أطلق عليه اسم "الاتفاق العالمى من أجل الاستثمارات" يرى إمكانية إجبار كل البلدان على منح المستثمرين الأجانب ذات المزايا الممنوحة للمستثمرين القوميين كلن يدعم على سبيل المثال فيلما قوميا وفيلما أمريكيا على قدم المساواة . ورغم الإصرار الأمريكى فإن المشروع لم يلق قبولا.
وفى عام 1998 تم بموجب اتفاقية تشكيل محكمة جنائية فى روما ، وفى هذه المرة أيضا لم تبد الولايات المتحدة موافقة.
وللحديث بقية