المصريون صناع الحضارة الخالدة والإنجازات المبهرة على مر التاريخ، ولقد بني المصريون مجدهم بعقولهم الذكية وسواعدهم القوية دون غش أو خداع أو فهلوة أو تزوير.
وإذا كانت الأديان السماوية قد نهت عن الغش، كما ورد في الحديث الشريف "من غشنا فليس منا" فيجب علينا جميعًا أن نتصدي لكل أشكال الغش والتدليس والكذب والخداع التي يمارسها قلة قليلة من ضعاف النفوس، ويدفع ثمنها الغالبية العظمي من أبناء هذا الشعب العظيم.
لقد تكررت أحداث مؤسفة بسبب ظهور حالات فجة من الغش خلال الأسابيع القليلة الماضية. كان من أبرز تلك الحالات تسرب امتحانات الدبلومة الأمريكية (امتحان السات)، مما دفع الهيئة المنظمة للامتحان (College Board) إلى إلغاء امتحانات السات في مصر لمدة عام.
وهذه ليست المرة الأولي وربما لن تكون الأخيرة، في سلسلة الحالات المؤسفة من الغش والتزوير والفهلوة التي اعتاد عليها البعض. وأخطر ما في هذه الظاهرة هي أن النتائج السيئة والسمعة المشينة التي تصاحب اكتشاف حالات الغش قد يمتد تأثيرها إلى كل أفراد المجتمع. وقد تفقد الشهادات الجامعية والعمالة المصرية في الخارج الاحترام والتقدير والثقة التي تمتعت بها، بسبب بعض الممارسات غير المسئولة من عدة أفراد فقدوا ضمائرهم واعتادوا على السرقة والفهلوة والغش والتدليس لتحقيق أغراضهم في نجاح دون عناء أو ثراء دون مجهود.
ومع علمنا بحدوث حالات غش وتزوير في جميع المجتمعات البشرية، وفي كل طبقات المجتمع، إلا أن أخطرها من حيث التأثير على صحة وسلامة المجتمع هي حالات الغش في مجال التعليم والبحث العلمي. فظاهرة الغش في الامتحانات، خاصة في الثانوية العامة، والتي تعايشنا معها على مدي عدة عقود قد نتجت عنها مجموعة من النتائج الضارة والسيئة للمجتمع ككل. ولاغرابة أن تجد أن ٢٠٪ من طلاب الفرقة الأولي بكليات القمة يرسبون في الامتحانات، لأن هؤلاء الطلاب قد حصلوا على مجموع مرتفع بسبب الغش والتزوير. والأخطر على المجتمع هو أن يتولي المسئولية أشخاص دون المستوى، نجحوا بالغش أو بالواسطة والمحسوبية، دون أن يكون عندهم مقومات النجاح. ولذا تجد المجتمعات الجادة حريصة على نبذ واستبعاد كل من يمارس الغش أو التزوير.
أما في مجال البحث العلمي، فقد تكررت حالات مؤسفة ناتجة عن فبركة أبحاث علمية ونشرها في كبرىات المجلات الدولية. وبعد اكتشاف حالات التزوير، اتخذت هيئة تحرير هذه المجلات واللجان العلمية التابعة لها الإجراء القانوني المتبع، وهو سحب الورقة البحثية، ووضع كل من شارك في التزوير في القائمة السوداء. ومع تكرار الإعلان عن سحب أبحاث شارك فيها باحثون مصريون، تزداد شكوك المجتمع العلمي في نزاهة الباحثين والمراكز البحثية المصرية، ويقل معدل النشر الدولي من الجامعات المصرية وعليه يتأخر ترتيب الجامعات المصرية على المستوى الدولي.
ولقد نسي أو تناسي البعض أنه يمكن للفهلوي والغشاش أن يخدع بعض الناس لكل الوقت، أو أن يخدع كل الناس لبعض الوقت، ولكنه من المستحيل أن يخدع كل الناس كل الوقت. ومع تطور التكنولوجيا التي تمكن الجهات العلمية من اكتشاف حالات الغش والسرقة العلمية والفبركة في الأرقام والنتائج بسهولة، أصبح من السهل اكتشاف حالات التزوير التي وقعت في الماضي. وبات واضحًا أن كل غشاش ومزور سوف ينكشف أمره إن عاجلاً أو آجلاً. وأن كل من حقق نجاحات سريعة بالغش والتدليس، أو ترقي دون مجهود ودون وجه حق، سوف ينال عقابه الذي يستحقه، وسوف يسقط إلى القاع غير مأسوف عليه.
النجاح لايتحقق إلا بالمجهود المخلص والعمل الجاد الصادق دون غش أو تدليس. ومصر اليوم تشهد نهضة غير مسبوقة في جميع المجالات بفضل سواعد أبنائها المخلصين الصادقين الشرفاء. ومايرتكبه قلة من المصريين من غش وتدليس يجب أن تتصدي له الدولة بكل حزم وحسم، وأن ينال كل غشاش عقابه الذي يستحقه. إن مثل هذه الجرائم لاتسقط بالزمن، ولايجب أن تمر دون عقاب. ويجب ألا نسمح لقلة من الغشاشين والفهلوية أن تسيء إلى جموع الشعب المصري.