الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قيمة الإستطراد عند الجاحظ: "تطبيق على كتاب الحيوان"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعد أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري (159 هـ-255 هـ) – الجاحظ- من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها، ورغم نشاته البائسة من فقر ويتم، إلا أنه كان خفيف الروح وصاحب أسلوب ساخر تميز به، لكنه كان دائم الإستطراد، حيث كان ينتقل كثيرا من الموضوع الرئيس إلى موضوعات أخرى لا علاقة لها به.
وقد سماه الجاحظ (الحيوان) لأنه يتتبع ما في حياة الحيوان للتأكيد على حكمة الله العجيبة،يقول :«وكانت العادة في كتب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطعات الأعراب ونوادر الأشعار، لِما ذكرت من عجبك بذلك، فأحببت أن يكون حظ هذا الكتاب في ذلك أوفر إن شاء الله) إلى أن قال: (وإذا كانت الأوائل قد سارت في صغار الكتب هذه السيرة كان هذا التدبير لما طال وكثر أصلح، وما غايتنا إلا أن تستفيدوا خيراً».
وقد سلك الجاحظ في كتابه هذا أسلوبا غير مركزا يتمثل في الإبتعاد عن جوهر الموضوع الرئيس فيه، بالحديث عن أمور أخرى كأحوال العرب، وعاداتهم ومزاعمهم وعلومهم وبعض مسائل الفقه والدين، وصفوة مختارة من الشعر العربي والأمثال والبيان، ونقد الكلام، والمسائل الفقهية، والطوائف الدينية، كما تناول الكثير من المسائل الجغرافية وبيان خصائص كثير من البلدان وتأثير البيئة في الحيوان والإنسان والشجر.
ويُلاحظ على الجاحظ المعتزلي في كتابه هذا الإعلاء من قيمة العقل ويرى أنه «زمامٌ على الأعضاء وعيارٌ على الحواس» ووسيلة وحيدة لبلوغ الحقيقة وإرشاد الغير، وقد أقتبس الجاحظ في كتابه هذا من كتاب «الحيوان» لأرسطو، وهو يجمع فيه بين ما هو منقول وما هو مُعاين وما هو مجرّب، وقد كان صارمًا في تعامله مع مصدر المعلومة، كما كان يجري مئات التجارب بنفسه إن استدعت إجراءات التحقق ذلك، يحكي «رأيت بيض الحيّات وكسرتها لأتعرّف ما فيها، فإذا هو بيض مستطيل أكدر اللون أخضر (…) فأمّا داخله فلم أر قيحًا قط".
إلا أنه رغم كل ذلك المجهود المبذول من الجاحظ في مؤلفه هذا، فإنه قد أتبع أسلوبا يمكن تسميته «الأسلوب الجاحظي» -نظرا لتعمده القيام بذلك-، حيث يقطع شوطًا طويلاً في سرد موضوع علمي ينعطف بعده لذكر أمثال ومواعظ وخطب كما سبق وأشرنا. ومن ثم عج الكتاب الإستطرادات، وهي لا شك في ذلك تسببت في تشتيت فكر وعقل القارىء، وقد دافع الكثيرون عن أسلوب الجاحظ هذا، بأنه كان ذا رغبة في إقصاء الملل عن نفس القاريء، وإيجاد عنصر تشويق فيما يكتب، وحقا نجح في ذلك حسبما أشار المحققون، إلا أنه لم يجعل للكتاب أهمية علمية تؤدي إلى ظهور حقائق علمية، من الممكن أن ترقى لمرتبة النظرية.