الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شــواطئ .. من الذي سيحكم العالم غدًا (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المفكر الفرنسى جاك آتالى واحدا من أهم الأكاديميين فى مجال الاقتصاد، الذى صنفته مجلة Foreign Policy فى عددين لها صادرين فى عام 2008 وعام 2010 باعتباره واحدا من أهم مائة مفكر فى العالم وعينة رئيس الجمهورية الفرنسية رئيساً للجنة تحرير النمو الاقتصادى الفرنسى عام 2007. 
فى كتاب "غدا، من سيحكم العالم؟ بقولة: رغم كل ما سبق يمكننا القول مرة أخرى إن الأمر ليس على ما يرام وأن هناك حالة من تفكك الأوصال تنتاب كل شىء فهناك أزمة اقتصادية عاتية تستعصى على أى زمام منذ فترة طويلة.. هذا بالإضافة إلى كون الهيئات والتنظيمات الدولية عاتية تستعصى على أى زمام منذ فترة طويلة. 
فتأثيرها الكمى على كل الموضوعات نادراً ما يتجاوز نسبة الــ0.5% من إجمالى ما تخصصة لها الحكومات.. واقع الأمر أن السوق تصبح عالمية بدون إصدار وتطبيق قاعدة واحدة من قانون عالمى أو ديمقراطية كوكبية.. فالدول العظمى فى أحسن حالاتها لا تستطيع ضمان احترام القانون إلا فى نطاق أقاليمها وهى بذلك تترك دون متابعة تلك التى يتم فيها التحايل والالتفاف عليه. 
والملاحظ أن الولايات المتحدة تضعف تدريجيا دون أن يظهر فى الأفق بلد آخر قادر على شغل مكانها فى مجال تسيير الأعمال فى العالم.
 فأمم بالغة القدم تتفكك وعشرات الدول أصبحت عاجزة عن حماية هويتها وضمان أقل قدر من التكافل والتضامن مع الضعفاء على أراضيها. أقاليم بالكامل أضحت مناطق انفلات أمنى.. فى كل مكان تطغى مسائل المالية والتأمين والتسلية على الاقتصاد الحقيقى والمنفعة العامة، العملات النقدية طالها الخراب وتفاقمت حلات انعدام المساواة وتزايدت وتيرة الهجرة وشهدت البيئة تراجعا حاداَ، وذلك بالإضافة إلى نقص المياه والتزايد السريع فى سبل التدمير النووية والبيولوجية والكيميائية والوراثية للإنسانية وتضاعف المخاطر الجهازية. 
ويمكننا القول فى النهاية إن الكوارث بكل أشكالها وأنواعها مثل زلزال مارس 2011 والتسونامى وكارثة اليابان النووية تذكرنا دوما أننا تحت رحمة النكبات والمصائب الطبيعية ذات المردود الكوكبى.. الحقيقة أننا اليوم بين شقى رحى بين نمو عالمى متزايد وفى نفس الوقت على حافة الفوضى العارمة.. إدراكنا للمستقبل والطريقة التى ينبغى لنا بها السيطرة علية – وفى هذا قولان – ستترتب بشكل كبير على هذا التاريخ الطويل. 
من يمكنها أن تصبح غدا القوة الفائقة الجديدة؟ من ذا الذى يمكنة أن يحوز كل الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والمالية والديمجرافية والثقافية والإيديولوجية لحكم العالم؟  ومن ذا الذى تهفو نفسة إلى ذلك؟ هل يمكننا كما سبق للكثيرين فى السبعينيات أن نعيد تشخيص توارى الولايات المتحدة الأمريكية وتراجعها؟ ولصالح من يخفت تأثيرها؟ من سيكون بوسعة التصدى لما يحملة الغد من رهانات كوكبية؟ فيما يمكن لتاريخ الألفيات الثلاث الماضية مساعدتنا للإجابة عن هذه الأسئلة تحسبا لما سيحدث فى العقود الثلاثة القادمة؟ 
إذا كان التاريخ ينحو إلى تكرار نفسة فأمامنا وقت طويل ستبقى فية الولايات المتحدة الأمريكية القوة العسكرية والتقنية والمالية والسياسية والثقافية الأولى فى هذا الكوكب.. وهذا لا يتنافى مع إمكانية وجود تراجع على الأقل فى القيمة النسبية.. سنرى للمرة العاشرة أن هناك مركزاً "سيضحى" قلب العالم "| وسيفرض حكومته مثلما فعل ذلك من قبل الهولنديون الفلمنك وسكان البندقية وجنوة والإنجليز والأمريكيون.. هذا "المركز" الذى لم يتحدد بعد سيكون امريكيا أو صينيا أو هنديا أو أوروبيا.. هذا لا يعنى على الإطلاق أنه سيكون بوسعة حكم العالم، سيكون بمقدور بلد ما أن يحكم البلدان الأخرى غير أن ذلك لا يجعلنا نفترض فيه القدرة على مواجهة كل أنواع التهديدات التى تلقى بثقلها على البشرية، لن يتأتى لبلد أو تحالف أو مجموعة العشرين القيام بذلك. 
فالتاريخ لن يكرر السيناريو ذاته: لن يتسنى لقوة ما يجعلها قادرة على إدارة شئون العالم ولن توجد واحدة باستطاعتها الاضطلاع بهذه المهمة الثقيلة.. لن تكون الولايات المتحدة الأمريكية حاكمة العالم ولن تملك الصين لا السبيل إلى ذلك ولا الرغبة فيه.. وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا ومجموعة العشرين. 
ثنائية مكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والصين ستحل تدريجيا محل انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بهذه السطوه الهائلة من دون أن تملك إزاحتها من المشهد أو أن تحكم العالم.. لا أحد باستطاعته التصدى للمشكلات الجهازية التى تلوح فى الأفق. 
سيشهد العالم بلبلة وفوضى فى انحاء عدة قبل أن يستقر به الحال على حكومة سوق عالمية اى مجموعة مؤسسات عالية القوة – أغلبها من شركات التأمين – وهذا سيجعل سيادة القانون تتوارى تاركا حالة من الفوضى العارمة المتفجرة، تزداد معها حدة انعدام المساواة وتتنامى فى ظلها حالات الهجرات الكبرى والندرة فى الموارد والحروب الإقليميمة شديدة العنف والتقلبات المالية والمناخية.. ومن المتوقع ألا تصمد أى من الهيئات الدولية الحالية، فلا الأمم المتحدة ولا مجموعة الثمانية الكبار ولا مجموعة العشرين سيكون بمقدورها التصدى لقوة الأسواق وشدة الصدمات. لن يكون بوسع شخص أو كيان ما تحجم الاقتصاد ذى الطابع الإجرامى ولا الحد من انتشار الأسحلة ولا الحيلولة دون الفوضى البيئية والتقنية. 
سيمكننا حينذاك أن نرى على مستوى كوكب الأرض ما حدث على مستوى الأمم فى بداية القرن العشرين بعد تعثر العولمة الأولى، أى إننا سنشهد عودة الأمم والديكتاتوريات المنغلقة أقاليمها حماية ثقافاتها أو الطموح لحكم العالم.. مع هذا النوع من الطموح تظهر نوعيتان من الأيديولوجيات ذات احتمالية شمولية أيديولوجية البيئة وأيديولوجية المتدين والغريب أنه يرمز لكليهما باللون الأخضر.. ستحاول كل منهما فى بادئ الأمر أن تفرض نفسها بقوتها المذهبية فقط قبل أن تندرج فى أيديولوجية ديمقراطية جديدة. 
لا يبدو للوهلة الأولى أن مثل هذا التطور يمكنة الحدوث: فالعالم بين أيديى القوى الكبرى ، وأولها الولايات المتحدة الأمريكية ولا يبدو أن أيا منها لدية سبب يرغب من أجله فى تغيير النظام القائم منذ عام 1945.. وحتى إن بدت من جانب إحداها هذه الرغبة فمن الواضح أن قدرتها على الخروج بها إلى حيز التنفيذ تتراجع يوما بعد يوم.. أما القوى الجديدة مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وتركيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا إذا جاز لنا إضافتها فستفرض من جانب تشكيل حكومة فوق قومية وديمقراطية للعالم وستميل من جانب آخر للمطالبة بحقها فى إدارة شئون كوكب الأرض. 
وللحديث بقية