الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"ال" أطباء الغلابة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


أستلهم فكرة هذا المقال من رد الفعل الذى شهده (المجتمع السيبرانى) و(المكالمات) الفضائية حيال وفاة الدكتور مشالى بلدياتى طنطاويًا، والمعروف بلقب "طبيب الغلابة" مهنيًا. كما أستحضر به –رحمه الله- طرفًا آخر في المعادلة حسبما يبدو من العنوان وهم العديد من الأطباء الذين نهجوا ذات النهج الذى جعل من لافتات عياداتهم مرادفًا لمفردات التراحم والتكافل الاجتماعي. وإذا كان من شيم الوفاء رد الفعل المجتمعى حيال الدكتور مشالى، فمن قيم الولاء أن نذكر أن المهنة لم تعدم من هم على شاكلة الدكتور مشالى بل وربما بأساليب أكثر فعالية وعملية. فلكى نكون منصفين لا بد أن نؤكد بداية أن ثمة فارقًا كبيرًا بين التربح من مهنة وكسب العيش منها، حيث الأولى بمثابة إستهداف الإثراء والثانية العمل مقابل أجر يتوازى في تقديره مع الجهد المبذول بلا زيادة أو نقصان. أما من تطوع خيرًا فهو خير له، والحمد لله أن مجتمعاتنا في الريف والحضر لا تعدم من القصص الإنسانية الخاصة بأصحاب المعاطف البيضاء إلا النزر اليسير. كما أنه من الإنصاف التأكيد على أن نزرًا يسيرًا آخر هم أصحاب الأجور الفلكية مقابل فئة أطباء الغلابة ولكن بعد إضافة (ال) إليهم ليصبحوا هم أنفسهم في الشريحة الدنيا دخلًا. حيث تفعل فعلتها أحيانًا كثيرة عوامل الدعاية والألقاب والموقع والمظهر وغيرها، في تمييز "الصفوة" عن " الغلابة" في ذات المهنة. ولا ينبغى أن ننسى ما قدمه هؤلاء وما يزالون من تضحيات إستشهادية لمواجهة كوفيد 19 جعلتنا نحفل إنتسابهم للجيش باللقب أحياءً ولكن دون إستحقاق الإمتيازات مثله أمواتًا. 
والواقع فقد يتبنى البعض مبدأ أن من حق كل صاحب مهنة أن يحدد أجره وفقًا لمرئياته، بيد أن مثل هذا القول ليس بحق أريد به باطل أو حتى حق أو باطل مطلق. أولًا لأن المهن ليست كالسلع تخضع لقوانين القيمة والندرة والعرض والطلب مثلًا، وإلا صار كشف طبيب القرية بآلاف الجنيهات طالما بات مغردًا بمفرده في سماء الآلام البشرية. كما أن التباين في قيم الأجور تتفق وما درج عليه البشر من تباين في تعاطى مفردات مهنة بعينها. بيد أن ما ينبغى الوقوف عنده هى المعايير المحددة لتلك القيم في ضوء بعض المعطيات بالشكل الذى يفضى في نهاية المطاف لتقدير عادل لطرفى معادلة المرض وهما الطبيب والمريض. وهى قضية قد تنسحب على معظم المهن الحرة في بر المحروسة والتى يصطلى منها أبناؤها بأيدى أبنائها. ولكونى سأنتقل من الخاص للعام فلا أملك قبل أن أنحى مهنة الطب جانبًا إلا الترحم على (المشاليون) من بنى الوطن، وأثمن جهد من على دربهم ساروا... " فالراحمون يرحمهم الرحمن". 
ومما لاشك فيه أن الموقف المجتمعى من الدكتور مشالى قد أثار قضية مهمة وعامة في آن واحد، وهى كيفية تحديد الأجور في المهن الحرة. ذلك أن مجتمعنا يفتقد المقياس الرسمى الأجور والذى حددته العديد من النظريات بغية إستهداف العدالة النسبية في أجور الأعمال الحرة، مقابل العدالة الوظيفية المرتبطة بالأجور الرسمية. كما يأتى دور النظام الضرائبى لكبح جماح الشطط في تحديد أجور المهن الحرة حال عدم إتباع معايير الكفاءة والخبرة والدراسات المستمرة والتطوير المستدام، وغيرها من مفردات تستطيع النقابات المختلفة طرحها ومتابعتها بدلًا من إستغراقها في العمل السياسى المباشر ظنًا منها أن إعتلاء كراسى السلطة من أبناء المهنة كفيل بالحفاظ على مصالحها ومكتسباتها. بما يعكس خللًا في فهم الدور النقابى التاريخى ومستحدثاته التى ليس من بينها بالطبع العمل السياسى المباشر بمفهوم "الأغلبية العددية" بديلًا عن "الغالبية المهنية". إنها إحدى آفاتنا المجتمعية التى أسفرت عن وجهها عندما وجد معظمنا في "الحالة المشالية" طوق النجاة وجرس لفت الإنتباه إلى الحاجة الماسة لمن يربت عمليًا على كتف المجتمع المنهك، بما يشى بالإحساس الحقيقى بمعاناة سد الفجوة بين الأهمية الفعلية للحاجة والقيمة الحقيقية للإستجابة.