الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين الأمس واليوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخوف، الرهبة،التوجس،علاقة شائكة ربطتني بتقنية اسمها "الكومبيوتر" رغم دخولها كزائر إلى بيتنا مُبكرا، نهايات الثمانينيات 89م، حين اقتناها شقيقي عبدالناصر من سيتخصص في البرمجة دراسته العليا لاحقا بالجامعة الأمريكية بفيينا ( النمسا)، يومها كانت الإجراءات الروتينية المملة: فمنها ما يتطلب الموافقة الأمنية، وأن يتم مُصادقة الأوراق في أكثر من مكان عدا الثمن المُبالغ فيه، وساعة حضر الجهاز أتذكر اجتماع عائلتي حوله مملوئين بالدهشة والاستغراب، والوقت الذي تطلبه لربط وصلاته بمأخذ الكهرباء بالاستعانة بالكتالوج المُرفق، لتبزغ شاشته الزرقاء بالنغمة المميزة للميكروسوفت، عندها اكتفيت بالفرجة ولم أجرؤ على الاقتراب ربما صاغ عقلي كثير المُبررات أساسها افتقادي لمصطلحات اللغة للتعامل مع ضيفنا (فأنا من جيل لم يُكمل دراسته المٌمنهجة للغة الإنجليزية إثر قرار منعها من القذافي رغم محبتي لها) وكوني لم أتلق دورة تدريبية متمكنة تُعينني على استخدامه، ولن أستثني مبررًا آخر لعله افتقادي الدفع والتشجيع الذي كان والدي- وهو صديقي - يحوطني به إذا ما رغبت في خوض تجربة، ما لم يتحقق في تلك الحالة فبالنسبة له أيضا الكومبيوتر زائرنا الغريب، وهناك مبرر طريف أدلت بـه آنذاك زميلة في العمل من أن الجلـوس للكومبيوتر للرجال ولا يليق بالنساء!،إلا أن إلحاح شقيقي الذي رصد اهتماماتي الفنية والإعلامية، ما أعددت لولوجه في التسعينيات مع كوني معلمة العلوم، مارآه من الضروري أن أتعلمه وأتعامل معه، وقد جاء الاقتراح مبكرا منه، إلا أن ذلك الإلحاح لم يجد صداه لحظتها بفعل غلبة الرهبة، إلا بُعيد تخرجي من كلية الفنون والإعلام وتلقيّ دورة فـي الكومبيوتر عام 93 م مع صديقات تحمسن ودفعنني لذلك، لكنني دفعت ضريبة كسلي وتهاوني إثر سفر شقيقي وبيعه للجهاز الذي لم ندافع عن بقائه في البيت لنستثمره ونمارس هواية تكشفه والتواصل معه، فحين خرجت من الدورة التي شكلت العلاقة المُغايرة ( الرغبة في مد الأواصر والقُربى ) وما من جهاز لدي، اللهم ما نسرقه من وقت قصير من حين لآخر كزميلات في مبنى الإذاعة، في مكتب الأخبار والمذيعين، أو ما أتصيده في مكاتب الصديقات اللاتي أتاحت لهن وظائفهن لمسه ومداعبة لوحة مفاتيحه، وتصادف أنه في مؤسسة النفط جارة مبنى وظيفتي، كانت الصديقة فتحية النعاس باب كرم ورحابة متى مازُرتها ترشدني على أسراره، إلى أن امتلكت الجهاز وبإجراءات أقل صرامة عام 2000م، ما أتيح لي أن أطبع موضوعاتي الصحفية، ومادة دراستي العُليا، وتمكني من مشاهدة بعض الأفلام العربية والأجنبية، وشاركني والدي باستماعه للقراءات القرآنية والدروس الدينية فأحب جهازي الذي لم يتوقف عن العمل فكل فرد في أسرتي وجد فيه وسيلة لما يهوى ويحب.
إلا أن النقلة التي أسميناها كصديقات: الشُبيك اللُبيك، كانت عالم الإنترنت ( مثلنا الشعبي يقول: "إلا أمك وبوك ما تلقاهمش فيه"، العلوم والمعارف المُتاحة وبلا حدود، أطلب ما تشاء بكبسة زر( إنتر) يحضر العالم وبكل لغاته وأُناسه جغرافيا عادات وتقاليد وثقافات أيضا التعدد والتنوع،الهُنا،الهُناك،الآن، وحتى الغد، وما نُحب أن نراه علنا، وما نتحايل لنراه خفاء (المُحجوب مرغوب)، بعيدون بجرافيتنا لكننا مُتطلعون بكل حواسنا، نصير قريبين شغوفين، ما أتحفتنا به المُدونات البلوغرز لاحقا الفيديو واليوتيوب،شرق وغرب شمال وجنوب الكرة الأرضية قرية صغيرة بين براح يدينـا، أية نعمة وفتنة ساحرة قطفتنا وزماننا. أطلب ما تشاء بكبسة زر( إنتر) يحضر العالم وبكل لغاته وأُناسه، تحقق التعدد والتنوع الهُنا، الهُناك،الآن.