نشرت مجلة فكر الثقافية تقريرا بعنوان "الصالون الأدبي وأثره في الحركة الثقافية والفكرية"، أشارت فيه إلى أن الصالونات الثقافية ربما تكون قد تواجدت بشكل أو بآخر منذ فجر التاريخ ومنذ حضارات الفراعنة والبابليين والإغريق. وأن سوق عكاظ عند العرب في الجزيرة العربية كان شكلا من أشكال الصالون الثقافي. وفي العصر الحديث، كان للصالونات دور بارز في اثراء الحياة الثقافية المصرية، ومن أشهرها صالون ميً زيادة، وصالون العقاد والذي كتب عنه أنيس منصور " في صالون العقاد كانت لنا أيام". أما الصالون الوحيد الذي سجله التليفزيون المصري لعميد الأدب العربي د طه حسين، فكان بمثابة لقاء قمة بين كل عمالقة جيل الستينيات في حضرة الأستاذ المعلم. روعة اللغة ودقة التعبير، وتنوع الثقافة وعظمة الحضور.
أما صالون أديبنا العالمي نجيب محفوظ، فكان أهم ما يميزه أنه بمثابة لقاءات عامة مفتوحة، مثل لقاءات المقاهي. وكان محفوظ يتيح لكل شخص من الحاضرين أن يقول ما يريده، بغض النظر عن مركزه وعلاقته بالأدب. وقد تم رصد وتوثيق السنوات الأخيرة من عمر الصالون في كتاب إبراهيم عبدالعزيز "ليالي نجيب محفوظ في شبرد"، وهو بمثابة تأريخ لصالون محفوظ وتفاصيل ما كان يدور فيه من أحاديث ومناقشات، بين أعضاء شلة الحرافيش.
وشخصيا، كنت مولعًا بحضور الصالونات الثقافية منذ أن كنت طالبًا في طب المنصورة، وكنت زبونًا دائما في اللقاءات التي تستضيفها الكلية، في قمة نشاطها الثقافي المتعدد في ثمانينيات القرن الماضي. وحاليا أشارك باهتمام في صالون د أحمد جمال الدين موسي والذي يُعقد في القاهرة، وصالون المنصورة الثقافي الذي يعقد في المنصورة، وأُضيف إليهم صالون ثالث وهو صالون د فرحة الشناوي، والذي بدأ الخميس الماضي ١٣ أغسطس، بتكنولوجيا الزووم.
صالون د أحمد جمال الدين موسي الثقافي هو الأكبر من حيث عدد الأعضاء، والأقدم من حيث تاريخ الإنشاء، والأكثر تنوعا من حيث الموضوعات التي يناقشها. الصالون يعكس شخصية صاحبه د أحمد جمال الدين موسي أستاذ القانون ورئيس جامعة المنصورة، ووزير التربية والتعليم الاسبق، وأحد أهم المثقفين المصريين. فهو كاتب وأديب وصاحب رأي ورؤية ورجل دولة من الطراز الأول. عرفت عنه منذ أن كان رئيسًا لجامعة المنصورة عدل القاضي، وحكمة الفيلسوف وثقافة الاديب وأخلاق الفرسان. وفي صالونه الثقافي الذي يضم معظم رجالات الدولة، وأعظم العقول المصرية، يناقش قضايا مصر المعاصرة بعمق وتحليل ودراسة، ويقترح حلولًا من خبراء وعلماء ومتخصصين في مختلف المجالات، أدعو الله أن تجد من يترجمها إلى واقع ملموس.
أما صالون المنصورة الثقافي، والذي يستضيفه د محمد غنيم، عميد كلية الآداب الأسبق، الفائز بجائزة الدولة التقديرية لهذا العام، وأستاذ علم الاجتماع فله مذاق آخر. فرغم أن ضيوفه ومتحدثيه من كل ربوع مصر، إلا أن معظم أعضائه من أبناء الدقهلية. أي أنه تجمع لمثقفي الدقهلية، في محاولة لكسر احتكار العاصمة لكل الفعاليات الثقافية، ومشاركة في انعاش الحياة الثقافية المصرية. الصالون توقف بعد جائحة كورونا، ونأمل أن يعاود النشاط في القريب العاجل.
وأحدث صالون ثقافي شاركت فيه، هو صالون د فرحة الشناوي، أول عميدة لطب المنصورة، ونائب رئيس الجامعة الأسبق، ومقرر المجلس القومي للمرأة في الدقهلية. الصالون أداره الصحفي حازم نصر نائب رئيس تحرير الاخبار، وبدء أولي فعالياته بلقاء رائع عن سمات ومميزات الشخصية المصرية، تحدث فيه د محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي-جامعة الازهر، د هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع-جامعة بنها. وكان لقاءً ثريًا، تم فيه مناقشة التغيرات التي حدثت في الشخصية المصرية منذ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وحتي اليوم.
ومع تعدد الصالونات، وحيوية التفاعلات وعمق الأفكار، إلا أن تأثيرها ما زال محدودًا، كونها نقاشات مغلقة تجري بين عدد قليل من الأعضاء. ورغم أنه يجري التنويه عن هذه الصالونات، والمتحدثين فيها، والموضوعات التي تناقشها، في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يظل محدود الجدوي للمجتمع المصري الكبير. ولذا أدعو أن يتم تسجيل هذه الفعاليات، وإذاعة مايصلح منها للرأي العام في التليفزيون والإذاعة والصحف اليومية، لكي يتم توسيع دائرة المشاركة ونقل هذه التفاعلات المتميزة من الصالونات المغلقة إلى الحياة العامة.