السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

السلطان الغازي.. أردوغان يواصل التدخل في العراق بحجة مواجهة «العمال الكردستاني».. و«مخالب النسر» أكبر حملة جوية تشنها أنقرة على شمال «بلاد الرافدين»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلال الفترة الماضية نفذ سلاح الجو التركى إحدى أكبر حملاته الجوية فى السنوات الأخيرة ضد حزب العمال الكردستانى (PKK) الذى تصنفه كمنظمة إرهابية؛ حيث قامت تركيا بتنفيذ عملية مخلب النسر فى منتصف يونيو ٢٠٢٠ والتى استهدفت أكثر من ثمانين هدفًا امتدت من الحدود العراقية السورية إلى الحدود الإيرانية على بعد ٢٠٠ ميل فى الاتجاه الشرقى الغربي، وقالت القوات المسلحة التركية إنها شنت الحملة بسبب "تزايد هجمات حزب العمال الكردستانى على نقاط المراقبة التركية فى شمال العراق" ومع ذلك ينبغى النظر إلى العملية العسكرية على أنها جزء من سياسات تركيا الراهنة فى منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط والتى تشير أيضًا إلى مستوى استعداد تركيا العسكرى والاستخباراتى لتنفيذ هذه السياسات.


استهداف ممتد
بعد انتهاء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستانى فى منتصف عام ٢٠١٥ واستهداف كل منهما للآخر، بدأت تركيا فى وضع خطة شاملة للقضاء على المنظمة الكردية، وفى سبيل تحقيق ذلك بدأت القوات المسلحة التركية فى اتخاذ خطوات لوضع خطوط اتصال داخل المحافظات الجنوبية الشرقية فى تركيا وامتدت إلى شمال العراق حيث ينتشر حزب العمال الكردستاني، ويمتلك كثيرًا من معسكرات التدريب المنتشرة فى الجبال، وتهدف تركيا من ذلك إنشاء منطقة عازلة جنوب الحدود التركية العراقية، وضمن السياق ذاته أنشأت القوات الجوية التركية ١٣ قاعدة عسكرية دائمة معززة بمختلف الدعم اللوجستي.
ومن ناحية أخرى أنشأت وكالة المخابرات التركية مقرًا لها فى مدينة أربيل عاصمة الحكومة الإقليمية الكردية حيث تقوم بجمع ومعالجة المعلومات الاستخبارية المتعلقة بأنشطة حزب العمال الكردستانى خاصة وأن هناك تداخلًا فى الاختصاصات وعد التنسيق بين جهازى الشرطة والاستخبارات، ولكن مع تحول تركيا من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى فى عام ٢٠١٨، زادت قدرة تلك المؤسسات الأمنية على التنسيق بشكل كبير، ومن خلال هذه التعديلات خضع جهاز المخابرات للسلطة المباشرة للرئيس التركى وهو ما سمح لها بالقيام بعمليات خارج حدود تركيا.
وقد ساعدت هذه التنسيقات من قدرة تركيا على استهداف عناصر حزب العمال الكردستانى ليس فقط فى منطقة شمال العراق وتحديدًا فى جبال قنديل، بل أيضًا فى مناطق الشمال السورى حيث تتواجد وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستانى والتى تهدف إلى إقامة حكم فيدرالى ذاتى هناك، بالإضافة إلى ذلك تمكنت تركيا من استهداف الكوادر الكردية وتنفيذ عمليات اغتيال للكثير منهم، وهذه العمليات تكشف أن العمليات العسكرية التركية كانت تدفع كبار قادة حزب العمال الكردستانى إلى الابتعاد جنوبًا من الحدود التركية. كما بدأت تركيا فى ضرب أهداف داخل المنطقة التى يسيطر عليها الاتحاد الوطنى الكردستاني، ومن المعروف أن الاتحاد الوطنى الكردستانى يبدى موقفًا عدائيًا تجاه الحزب الديمقراطى الكردستانى التابع لبارزاني. وهذا يقودنا إلى كيفية مساهمة هذه الاختلافات بينهما بالإضافة إلى العوامل الإقليمية فى مساعدة تركيا على الاقتراب من هزيمة حزب العمال الكردستاني.


انقسامات عديدة
من بين المكونين الرئيسيين لحكومة إقليم كردستان العراق؛ كان للحزب الديمقراطى الكردستانى علاقات وثيقة مع تركيا فى العقود الثلاثة الماضية، فى حين أن حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى المنافس له أقام تحالفًا بحكم الواقع مع حزب العمال الكردستانى وإيران، وهو ما دفع رئيس حكومة إقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطى الكردستانى ناشيرفان بارزانى إلى التنديد بوجود حزب العمال الكردستانى فى العراق باعتباره "غير شرعي". 
وقد سمح هذا الانقسام بين الأكراد وتهديد حزب العمال الكردستانى لبارزانى لتركيا بالتعاون مع الحزب الديمقراطى الكردستانى بشكل خاص فى إنشاء شبكة معقدة من جمع المعلومات الاستخبارية فى شمال العراق. 
إلى جانب الحكومة الإقليمية الكردية، انتهزت موقف الحكومة العراقية فى عهد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمى الذى يشتهر بنفوره من النفوذ الإيرانى فى بلاده؛ حيث إنه فى الأسبوع التالى بعد توليه السلطة فى مايو ٢٠٢٠ اعتقلت حكومة الكاظمى مقاتلى ثائر الله الموالين لإيران الذين أطلقوا النار على المتظاهرين فى مدينة البصرة الغنية بالنفط من خلال تنسيق العمل مع تركيا، وضمن السياق ذاته فقد رأى فى ذلك فرصة لتقليل النفوذ الإيرانى فى العراق وزيادة التجارة لتعويض الاقتصاد العراقى المنهار، وقد تحول الكاظمى إلى شريك فعال فى حرب أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني، ففى ١٢ يونيو ٢٠٢٠ قبل ثلاثة أيام من بدء عملية مخالب النسر التركية الأخيرة قام رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان بزيارة سرية لبغداد.


محددات التنسيق
إن المستوى الكبير من التنسيق بين المؤسسات الداخلية التركية فضلًا عن دعم السلطات القضائية المحلية فى العراق لمواجهة حزب العمال الكردستانى ساهمت فى سهولة احتواء خطر حزب العمال الكردستاني، خاصة أن هذا الملف تتشابك فيه الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية على سبيل المثال تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الأكراد السوريين والعراقيين، ومن ناحية تركيا فإنها لا تميز بين وحدات حماية الشعب (YPG) فى سوريا وحزب العمال الكردستانى فى العراق؛ حيث تعاملهم بنفس الطريقة خاصة فى ظل مخاوفها من المكاسب الإقليمية لوحدات حماية الشعب فى سوريا عام ٢٠١٥ وإعلانهم الحكم الذاتي، وهو ما ساهم فى دفع تركيا إلى إعلان ثلاث عمليات عبر الحدود أدت فى النهاية إلى مواجهة وحدات حماية الشعب ودفعها إلى الجنوب، وفى هذا الصدد تهدف عملية مخلب النسر أيضًا إلى مواجهة إنشاء مثل هذا الكيان بشكل أساسى عن طريق عرقلة تدفق الجماعات الكردية والأسلحة من شمال العراق إلى وحدات حماية الشعب السورية.
وتأسيسًا على ذلك قامت الطائرات التركية باستهداف معسكر التدريب التابع لحزب العمال الكردستانى فى سنجار التى تُعد موقعًا استراتيجيًا على الحدود السورية العراقية، وتجدر الإشارة إلى أن قوات الحشد الشعبى التابعة لإيران تسيطر فعليًا على منطقة سنجار. بالنسبة لإيران فإن مدينة سنجار جزء مهم من خط إمدادات الأسلحة والميليشيات بين طهران ووكلائها فى سوريا ولبنان، وقد أعلن براين هوك الممثل الخاص الأمريكى الحالى لإيران، بأن إيران تنقل صواريخ باليستية إلى ميليشيات شيعية فى العراق عن طريق هذه المنطقة، فيما أعلن بول ديفيس المحلل السابق فى البنتاجون أنه وبالتزامن مع سيطرة وكلائها على منطقة سنجار تكتسب إيران خيارات ومرونة خاصة أن السيطرة على مثل هذه المنطقة الاستراتيجية تزيد من تأثير ونطاق الصواريخ، مضيفًا أن" القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة يمكن أن تكون أيضًا هدفًا لمثل هذه الهجمات ".
ومن ثم لطالما كانت إيران تمتلك نفوذًا فى التأثير على استراتيجية تركيا ضد حزب العمال الكردستانى فى ظل تعاونها مع الأكراد فى التعاون، وهذا ما أعلنه وزير الداخلية التركى سليمان سويلو إن "نحو مائة إرهابى من حزب العمال الكردستانى موجودون فى المناطق الإيرانية بالقرب من تركيا، مما يشكل خطرًا حقيقيًا، وبالتالى فإن عملية مخالب النسر تمثل امتدادًا للتنافس التركى الإيرانى فى العراق.
فى نهاية المطاف، ينبغى النظر إلى عملية مخلب النسر على أنها مؤشر على أن الجيش التركى قد وصل إلى نقطة حيث يمكنه إرسال أساطيل من طائرات F١٦ فوق ليبيا، وإجراء العديد من التدريبات البحرية على نطاق واسع فى البحر المتوسط، وفى نفس الوقت إجراء سلسلة من حملات جوية وبرية ضد حزب العمال الكردستانى فى مساحات شاسعة من شمال العراق. يجب أن نتوقع وجودًا تركيًا أكثر فى ليبيا والعراق وسوريا، وأن التفاهمات مع أطراف دولية عديدة ستحدد نطاق تأثير تركيا الإقليمي.