السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الوطن.. تضحية لا ضحية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى حديث الوطن كثيراً ما تحضرني تلك القصة الخاصة بتنازع امرأتين على بنوة طفل وكيف أن الأم الحقيقية رفضت حكم القاضى بتقسيمه بينهما، حتى ولو كانت النتيجة حرمانها منه طالما ضمنت وجوده. وكنت دائماً ما أحدث نفسي عن افتقاد معظم فصائل المجتمع لحكمة تلك الأم على بساطتها، وأتخيل لو تمثلها الجمع وحافظوا على وحدة الوطن مؤثرينه على أنفسهم؛ كيف كان يمكن تصور أوضاعنا الآن بدلاً من أن يذهب كل حزب فرحاً بما جنى من ثوب الوطن الممزق. ومن ثم فقد ألح على فى عيد الأضحية مفهوم التضحية، والذي باتت معزوفته جزءاً أساسياً من وجدان الأمة عبر تاريخها الطويل. وإن كانت بقية حركات السيمفونية الوطنية لم تكتمل بما نسمعه يومياً عن تضحيات شهداء أبرار فى كل موقع، يعيشون بحق حرباً ضروساً شرقاً وغرباً بمواجهات متباينة لأطماع متهافتة تاريخياً أو لجحافل غير نظامية كتبت عليهم الشقوة أينما ثقفوا. حيث ظنوا أن حصونهم أو خسة وسائلهم يمكن أن تنال من عقيدة التضحية ليظل الوطن ضحية لأفاعيلهم التى تمثل تكراراً ممجوجاً لسياسات وجماعات عرفها التاريخ، لم تسقط بإرهابها وطناً ولم تنل بترويعها مغنماً

إننى منذ تعرضت المحروسة لوسائل النكران على يد بعض أبنائها وأنا أنادى بكوننا مدينين للوطن بصلاة اعتذار وابتهالات، نرددها فى محراب الوطنية الحقيقية ليس بتمتمات وِرْد خاص أو بحلقات ذكر نستكمل بها ما تصورناه قربى للوطن وهو منها براء. بل بأعمال حقيقية تؤكد على مفهوم التوبة بشموليته وبما يعلى من قيمة التضحية الحقيقية، التى تجعلنا نردد مع الذبيح النداء السماوي السرمدي عنواناً وتذكاراً للفداء والعطاء.

ومن ثم، فماذا لو حدث أولئك المنتفعون فى كل عصر أنفسهم حيال كم ما جنوه بغير وجه حق، أو حتى بحق قد فاق المستحق من عمولات ومكافآت بل ورواتب لا تتفق ومستوى الدخل العام فى مصر. وماذا لو بعد حديث النفس ردوا للوطن ولو على دفعات ما جنوه فى تضحية من نوع خاص، لم تشهدها الوطنية المعاصرة إلا بشق الأنفس أو بأحكام القضاء. وماذا لو أخذت المجالس التشريعية ومثيلاتها الاستشارية قراراً بالعمل دون أن تحمل الدولة لأعباء اجتماعاتها، مضحية بمكتسبات المكانة ووجهتها. وماذا لو اكتست وجوه التجار بمسحة من حمرة الخجل ليضحوا بالكثير من مكتسباتهم الاحتكارية منها والإغراقية، بعدما باتت مراقصهم نشازاً على أنات الجوعى والمعدمين.. ماذا لو وماذا لو ؟؟؟ شريطة ألا تفتح عمل الشيطان لتكمل التضحية بالوطن، بدلاً من أن تصبح مضرب الأمثال فى التضحية للوطن.

إننى لا أتحدث عن مدينة فاضلة بل أفتح باباً للتوبة طواعية نحو ما اقترفناه في حق هذا الوطن، بل وفى حق دماء زكية لم تطلب منا جزاءً ولا شكوراً. وإن كان نداؤها من عالم الشهادة كفيلاً بهز ضمائر القوم ووجدانهم، إن كانت ما تزال موجودة ولم تغرق على شواطئ المنتجعات أو فى الجانب المستغرب من مصر الشقيقة!! فهلا أضفنا لقاموس التضحية معنى عملياً يؤكد على أننا ما زلنا أبناء لهذا الوطن؟! وكل عيد أضحى ومصر وأهليها والإنسانية جمعاء بكل خير.