جيش مصر جيش رشيد، يحمى ولا يهدد، يُؤَمْن ولا يعتدى. بهذه الكلمات وصف السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي الجيش المصرى خلال تفقد المنطقة الغربية العسكرية في سيدى برانى يوم ٢٠ يونيو ٢٠٢٠. واليوم أرى محاولات للتحرش بالجيش المصرى، وجره إلى معارك جانبية خارج الحدود، باعتباره الجيش العربى الوحيد المتبقي في المنطقة العربية.
وبمحاولة القراءة في تاريخ العسكرية المصرية، وجدت أن الجيش المصرى هو أقدم جيش عرفته البشرية، فمنذ قيام الملك مينا بتوحيد القطرين (القبلى والبحرى)، سنة ٣٢٠٠ قبل الميلاد، وجيش مصر جيش وطنى موحد تحت حكم الحاكم المصرى، يحمى حدود مصر ويحقق لأهلها الأمن والأمان. وتاريخيا كانت قوة مصر في عصور نهضتها مستمدة من قوة جيشها، وضعف مصر في عصور نكباتها كان مصحوبا بضعف جيشها. ويذكر التاريخ أن حقبة مصر الفرعونية (٣٣٠٠-٣٣٠ قبل الميلاد) كانت من أقوى وأعظم الجيوش في التاريخ. وخاصة في عهود أحمس الأول (١٥٢٥ قبل الميلاد)، طارد الهكسوس، وتحتمس الثالث (١٤٢٥ قبل الميلاد) وهو من أعظم حكام مصر ومؤسس أول إمبراطورية مصرية، ورمسيس الثانى، (نحو ١٣٠٣ ق. م - ١٢١٣ ق. م) وينظر إليه على أنه الفرعون الأكثر شهرة والأقوى طوال عهد الإمبراطورية المصرية القديمة.
وتوالت على مصر بعد عصر الفراعنة العديد من العصور والحقب التاريخية، مرورًا بالفرس (نحو ٣٤٣ قبل الميلاد) إلى مجىء الإسكندر الأكبر المقدونى (٣٢٣ قبل الميلاد) والذى تأسست بعده الدولة البطلمية (اليونانية)، وبعدها دولة الرومان (٣١ قبل الميلاد) والتى ظلت مصر تحت حكمها حتى سنة ٦٤٠ بعد الميلاد.
وفى فترة حكم الرومان شهدت مصر مجىء العائلة المقدسة وظهور المسيحية وانتشارها في مصر، وشهدت مجازر ارتكبها الرومان بحق المسيحيين المصريين (عصر الشهداء)، وبعدها جاء الفتح الإسلامى على يد عمرو بن العاص (نحو ٦٤٠ ميلادية) في عصر الخليفة عمر بن الخطاب، وتحولت مصر إلى ولاية إسلامية. وتأسست في مصر بعد عصر الخلفاء الراشدين العديد من الدول مثل: الدولة الطولونية ثم الإخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك، وبعدها أصبحت تحت الحكم العثمانى حتى عام ١٩١٤، عندما أعلنت السلطنة المصرية، ثم تحولت إلى المملكة المصرية سنة ١٩٢٢، ثم تحولت مصر بعد ذلك إلى جمهورية بعد قيام ثورة يوليو سنة ١٩٥٢، وقيام الجمهورية سنة ١٩٥٤.
ومن أهم سمات الجيش المصرى أنه جيش وطنى يشارك فيه كل المصريين. فقد كان المصريون دائمًا، ومنذ عصر بناة الأهرام هم المكون الأساسى في الجيش. وفى العصور الوسطى (القرنين الثانى عشر والثالث عشر)، تصدى الجيش المصرى لغزو الصليبيين وحرر مدينة القدس في معركة حطين. وبعدها بفترة قصيرة، تصدى الجيش المصرى للتتار الذين دمروا في طريقهم بلدان عدة، حتى دحرهم قطز في موقعة عين جالوت.
وعندما تولى محمد على باشا حكم مصر سنة ١٨٠٥، أسس الجيش المصرى الحديث، وأنشأ جيشا خالصا من المصريين، بعد التخلص من المماليك. وكان الجيش المصرى هو الدعامة الأولى التى بنى عليها محمد على مصر الحديثة. ولاستكمال احتياجات الجيش، قام بإنشاء مدرسة الطب لتخريج الأطباء، والمهندسخانة ومصانع الغزل والنسيج، لتوفير حاجات الجيش والجنود من السلاح والذخيرة. وقام ببناء الثكنات والمعسكرات والمستشفيات لمساعدة الجيش. ولتحديث التعليم والبحث العلمى قام بإرسال البعثات إلى أوروبا، وهو ما أعاد لمصر القوة الإقليمية والتوسع الجغرافى والصعود إلى مصاف الدول الكبرى، بعد قرابة أربعة قرون من الجهل والتخلف تحت الحكم العثماني.
وعبر التاريخ، كانت خسارة الجيش المصرى تعنى سقوط كل بلاد المنطقة الممتدة من جنوب وشرق البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسى في أيدى الغزاة. فبعد سقوط الدولة البطلمية في مصر على يد الرومان، استولوا على كل منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، وأنشأوا الإمبراطورية الرومانيه (البيزنطية).
وعندما احتل العثمانيون مصر سنة ١٥١٧، استولوا بسهولة على كل المنطقة العربية وحولوها إلى ولايات عثمانية، حتى انتهاء الدولة العثمانية وقيام الثورات العربية في بدايات القرن العشرين. وحديثا، خاض الجيش المصرى حروبا متتابعة منذ إنشاء دولة إسرائيل سنة ١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧، حتى حرب أكتوبر العظيمة في أكتوبر سنة ١٩٧٣، واتفاقية السلام سنة ١٩٧٩، وعودة كامل الأرض المصرية.
واليوم أشعر بالقلق الشديد وأنا أرى محاولات تطويق الجيش المصرى من الشرق والغرب والجنوب، على يد بعض القوى الإقليمية.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ مصر وشعبها وجيشها من كل المؤامرات والمهاترات التى تحاك ضده، وأدعو الإخوة في كل البلدان العربية لليقظة والاتحاد والوقوف صفا واحدا مع الجيش المصري.