في لقاء حديث للملك عبدالله الثاني بن الحسين ملك الأردن، مع محطة أمريكية، اعترف بأن الأمن القومي العربي في خطر، وأن التحديات التي تواجهها مصر هي الأكبر في تاريخ المنطقة.
وكنت قد كتبت في "البوابة" بتاريخ ١٧ أكتوبر ٢٠١٩، مقالا بعنوان "الأمن القومي العربي في خطر"، واليوم، وبعدما تطورت الأمور بتدخل عسكري تركي في كل من العراق وسوريا وليبيا، وبعد تعنت إثيوبيا في المفاوضات المصرية-السودانية-الإثيوبية وعرقلة التوصل إلى اتفاق عادل في ملف سد النهضة، وبعد لجوء مصر إلى مجلس الأمن لتولي مسئولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدولي، فماذا بعد؟ وما الخيارات المتاحة أمام الدول العربية؟
وقبل استعراض الدور الذي يجب أن تقوم به الشعوب والمؤسسات والأفراد، في البلدان العربية بصفة عامة، وفي مصر بصفة خاصة، أود أن أتوجه بالتقدير للقيادة السياسية المصرية، ولرجالات مصر الأبطال في المخابرات العامة والحربية، ولكل الأطقم المصرية التي تدير المفاوضات في قضايا متعددة وفي ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد. لقد تحلت القيادة المصرية بالهدوء وضبط النفس وهي تتعامل مع أطراف تمارس الاستفزاز وسوء النوايا، بل والتآمر مع القوي الإقليمية والدولية للإضرار بالأمن القومي العربي، ومحاولة الالتفاف والتطويق وخنق مصر من كل الجهات وعلي كل الجبهات. وإذا كان الله سبحانه وتعالي قد أنقذ مصر من مصير العراق وسوريا وليبيا واليمن بعد هوجة الربيع العربي، بفضل وكرم منه سبحانه وتعالي، وبشجاعة رجالات مصر المخلصين، فإن الحاضر والمستقبل يتطلب تكاتف المصريين والعرب والقوي الدولية المحبة للسلم والأمن على التعاون للخروج من الأزمة الحالية.
أولا: المطلوب من المصريين، بعد تطور الأمور بهذا الشكل وخاصة فيما يتعلق بنهر النيل مصدر الحياة لكل المصريين، فيجب علينا جميعا الالتفاف حول القيادة السياسية بشكل كامل، ونسيان أي خلافات سياسية أو اختلافات في وجهات النظر في الوقت الحالي. اليوم مصر تواجه تحديات لم تواجهها في تاريخها الطويل، وكلي ثقة أن المصريين الذين التفوا حول راية الوطن في كل التهديدات السابقة، سوف يقفون صفًا واحدًا وكلمة واحدة خلف القيادة السياسية. لأن البديل كارثي ليس فقط على الجيل الحالي، ولكن أيضا على الأجيال القادمة. كلنا في قارب واحد، وكلنا مسئولون أمام أنفسنا وأمام الآخرين عن أمن وأمان هذا الوطن. وعلي هذا الجيل من المصريين أن يتحمل مسئوليته كما تحملت الأجيال السابقة مسئوليتها وأورثتنا وطنا عظيما متكاملا ومتجانسا، نفتخر به ويحسدنا عليه الآخرون.
ثانيًا: المطلوب من الدول العربية، هذا هو الوقت المناسب لكل الدول العربية لنبذ خلافاتها والاتحاد من أجل المصلحة العربية المشتركة.. اليوم مصر والسودان يتعرضان لموقف متعنت من إثيوبيا، والعراق وسوريا يتعرضان لغزو مسلح من تركيا، ودول الخليج العربي تتعرض للتطويق من إيران، وإسرائيل تحاول ضم ماتبقي من الضفة الغربية، وهناك غزو تركي لليبيا، فهل هناك خطر داهم أكثر من ذلك؟
لقد أظهر العرب في حرب أكتوبر ١٩٧٣، من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي مدي قوتهم وتأثيرهم عندما اتحدوا ووقفوا خلف مصر وسوريا. والعرب يمتلكون من الثراء المادي والخبرات البشرية مايؤهلهم لأن تكون لهم كلمة مسموعة وموقف مؤثر في العالم المعاصر. أدعو الله أن يدرك العرب أن مستقبلهم واحد، وأن تطويق مصر ماهو إلا مقدمة للانقضاض على بلدان عربية أخرى.
ثالثًا: المطلوب من المجتمع الدولي، أعتقد أن لمصر مكانة خاصة في الضمير العالمي، وأن حضارة مصر وتاريخها الطويل هي مقومات تجعلها عزيزة على كل الشعوب المحبة للسلام والبناء والتنمية.
وقد أدار الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي العام الماضي بمنتهى الهمة والذكاء، وكان بحق متحدثًا باسم أفريقيا وحقق نجاحا عظيما في تقديم القارة الأفريقية إلى كل القوى الدولية.
وأظن أنه قد حان الوقت على المجتمع الدولي للقيام بدوره وإنصاف الحق والوقوف مع العدل. وعلى المجتمع الدولي الانتصار للحق بقرارات واضحة في مجلس الأمن.
وأخيرا، أدعو الإعلام المصري والعربي لتوخي الحيطة والحذر وعدم الانسياق وراء استفزازات الآخرين عند التعامل مع ملف سد النهضة الإثيوبي. كما أرجو من الإعلام المصري أن يتعلم من الدبلوماسية المصرية فن التعبير الرصين ودقة اللغة وانتقاء الكلمات. لا بد أن نخاطب العالم بلغة دبلوماسية منضبطة، وأن نكون سندا للإدارة السياسية، وأن نلتزم بالمنهج السلمي والدبلوماسي دون تهويل أو تهوين.