الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تعددت الأديان والإله واحد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"سأصلي لكل إله وسأتبع كل دين.. قد يكون بينهم ديني الذي لا أعرفه.. وقد يستجيب إلى الإله الذي يجب أن أتبعه".
ماذا سيحدث إذا وصل كوكب الأرض زائر من الفضاء السرمدي، وخالط سكانه الذي نعتقد أن الله قد خلق الكون من أجلهم وأعدهم خليفة له، ثم تعرض لحادث أفقده وسيلة العودة إلى عالمه، فيضطر للجوء إلى الإله راجيًا المساعدة، ولأنه ليس من سكان الأرض فرؤيته للإله ليست كما يعتقد البشر، ظن أنه بالإستعانه بهم قد يذهبوا به إلى الإله لينجده، ولكنه مع كل مآزق يدرك أنه ظن من النوع الأثيم.
"من إله هذا الكوكب الظالم أهله؟".. قد يعتقد أن هذا تساؤل تجاوز حدود الأدب مع الله، ولكنه في حقيقة الأمر تساؤل الجاهل بطبائع البشر، وليس تساؤل العالم بوجود الإله، يعتقد الزائر لكوكب الأرض أن الإله هو ذلك الكائن في روح بوذا الضخم، فيذهب إليه بالقرابين عله يستمع إليه، ولكنه لا يجد رده فعل، فيلجأ إلى ذلك الإله الساكن تلك الكنيسة المجاوره، ولكنه يُصعق بموته من أجل خطية مخلوقاته، فذهب إلى مبني ذات مأذنة بإمام يُكبر، فرفضوه كونه يخالف هيئتهم.

تنقل زائر الأرض أتباع الآلهة واحدة تلو الأخري، ولكنه في كل مرة يضل الطريق، حتى اكتشف تلك الحقيقة التي نجهلها نحن سكان هذا الكوكب اللعين، فالبشر لا يؤمنون بإله واحد، ولكنهم يؤمنون بعدد كبير من الآلهة، لكل إله قوانين مختلفة، ويمتلك كل إله ما يطلق عليه البشر أسم الدين، وكل دين من بين هذه الأديان لها وسيط خاص في هذا العالم، وكل شخص يؤمن بدين واحد، وهم يعبدون الإله الخاص بدينهم فقط، وينكرون الآلهة الأخري، لذا قرر أن يصلي لكل الآلهة، عل الإله الذي ينتمي إليه يستمع له.

منذ سبع سنوات مضت، وتحديدًا عام 2013، أخرجت السينما الهندية ذلك العمل العظيم، "بي كية"، ذلك العمل البوليودي الذي أبدع في كتابته الكاتب والمخرج السينمائي "راجكومار هيراني"، ومأخوذة عن رواية "سلطة واحدة"، للكاتب الأسترالي برايس كورتيناي، وعاونه في كتابة السيناريو "ابهيجات جوشي"، وقام بدور البطولة فيه الفنان "عامر خان"، والذي لعب فيه دور زائر الفضاء.

"بي كية".. لم يكن مجرد عمل سينمائي، ولكنه في واقع الأمر إجابة لعدد كبير من الأمور التي نتجاهل دائمًا الألتفات إليها، ويشير إلى حقائق مريرة بطريقة تنويرية لا نجرؤالحديث عنها، كخيانة رجال الدين للجماهير المؤمنين بهم، وهذا ما نعاني منه في بلادنا، وهو ما حرم المجتمعات مناخًا قدرًا على قبول التعددية الدينية، ما يطرح العديد من الأسئلة التي قد تبدوا منطقية رغم سذاجتها، فهل ضل البشر الطريق إلى الله؟، أم أن رعاة الأديان والذين نصبوا أنفسهم وكلاء الإله أخفوه عن أذهانهم؟، وكيف يستدل أنصار 4300 دين حول العالم على إلههم.

مسلمو القرن العشرين
قبل ما يقرب من 1400 عام، اندلعت في بلدان العالم الإسلامي الفتنة الكبرى الأولي، فتنه أدت لمقتل ثالث الخلفاء الراشدين، الخليفة عثمان ابن عفان، وذلك في السنة الخامسة والثلاثون للهجرة، كان لها من التأثر الذي حول معه مسار التاريخ الإسلامي، فتسببت بانشغال المسلمين لأول مرة في قتال بعضهم البعض، كما أدت لبداية النزاع المذهبي بين المسلمين، لذا برزت العديد من الجماعات والأفكار المذهبية، مثل الخوارج، وجماعة السبئية الغلاة، منذ ذلك الوقت عرف المسلمين التشدد، فخلقوا لكل جماعة إله خاص بها، كل منهم يمتلك دينه الخاص ويزعم إنه الإسلام، نصبوا أئمة جعلوهم ولاة أمرهم وهديهم، ففاقت اجتهاداتهم احاديث نبي الأمة.

"الحمد لله القوي المتين والصلاة والسلام على من بعث بالسيف رحمة للعالمين.. ان هذا البحر الذي غيبتم به جسد الشيخ اسامة بن لادن تقبله الله اقسمنا بلله لنشوبنه بدمائك.. سنفتح روما بإذن الله.. وعد نبينا صلى الله عليه وسلم.. واليوم نحن في جنوب روما في أرض الإسلام ليبيا.. نرسل رسالة أخرى أيها الصليبيون.. إن الأمان لكم أماني لا سيما أنكم تقاتلونا كافة فسنقاتلكم كافة حتى تضع الحرب أوزارها".. ما سبق عبارات مترجمة ظهرت على إحدي فديوهات تنظيم داعش الإرهابي قبل تنفيذ حكم الإعدام ذبحا لبعض الخارجين عن الدين وفقًا لما يعتقدون، تلك العبارات ظهرت بها بعض المفردات التي تشير إلى دلالة يقول البعض أنها تأكيد على استغلال هذا التنظيم الداعشي للدين الإسلامي في تنفيذ مخططة الإرهابي، رغم أن جملة "بالسيف رحمة للعالمين" ليست من أدبيات الخطب في الإسلام، كما إنها ليست من القرأن الكريم والشريعة الإسلامية في شيء، خاصة وأن المسلمين لم يشهروا على الرجل سيفا ولا سكين، بل كانوا مستضعفين لا يملكون إلا قرآنا عظيما يخاطب القلب والعقل، وهو ما ما يمكن أن سنثبتة بالأدلة النصية.

دعونا أولا نؤكد على أن السيف ككلمة ومصطلح وحتي مفرداتة وأسماءة الأخري، مثل حسام، مهند، صارم، صمصام، وغيرها، وهي 70 إسما، لم تذكر في القرأن الكريم على الإطلاق، فهذا الدين يمتلك قرأنًا يُعد معجزة تمشي على الأرض منذ 1400 عامًا، وبنفس اللغة لم تتغير، وهي العربية، ولا يوجد منه نسخ مختلفة الصياغة.

{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.. تعتبر الآية الخامسة من سورة التوبة من أكثر الأيات إشكالية في فهم فلسفة الجهاد من منظور الشرع الإسلامي، وهي كذلك تعد الآية المؤسسة لمقولات العنف التي يتبناها ما بات يعرف بالتيار السلفي الجهادي الذي يقود حربا ضارية ضد الأخضر واليابس في الشرق الأوسط، وتستغلها تنظيمات داعش وأخواتها في سوريا والعراق ومصر وليبيا وغيرها.

والحقيقة التي لا يجب اغفالها أن لتلك الآية ثلاثة قراءات يمكن أن توضح معناها الحقيقي وسياقاتها التاريخية التي وردت فيها: الأولي: وهي القراءة التي يتبناها التيار السلفي الجهادي، وتستند إلى الفهم والتفسير الذي يقول أن عدم الأيمان بالله والإسلام يعتبر بحد ذاته مبررًا لإباحة قتل الإنسان، حتى اذا لم يكن هذا الإنسان عدوًا محاربًا، وتبني هذه الرؤية على مقولات بعض علماء الفقه والتفسير الذين يعتبرون أن آية السيف قد نسخت كل آية مخالفة، والنسخ هنا يعني أن تلك الآيات المخالفة قد "سقط حكمها وبقى رسمها" ولا يبنى عليها أى أثر تشريعي.
وقد وردت هذه الاية في فصل منفرد من فصول أحد أخطر الوثائق المؤسسة لفكر التيار الجهادي الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي وثيقة "الفريضة الغائبة" التي كتبها "محمد عبد السلام فرج" أمير جماعة الجهاد الأسلامي التي إغتالت الرئيس أنور السادات، وقال في وثيقته: "ولقد تكلم أغلب المفسرين في آية من آيات القرآن وسموها آية السيف، وهي قول الله سبحانه وتعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)، ويقول الحافظ محمد بن أحمد بن جزي الكلبي صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل: "ونجد هنا ما جاء من نسخ مسألة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه فإنه وقع منه في القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة نسخ".
أما القراءة الثانية فهي التي يقول بها محمود محمد طه مؤسس الفكر الجمهوري في السودان، بطرحه ما يعرف بآيات الأصول وآيات الفروع، وهي قراءة متضمنة لشكل من أشكال النسخ الذي يختلف عن القراءة الأولي، حيث يشير إلى أن الآيات المكية هي الأصل في القرآن، وهي الآيات التي تدعو لحرية الإعتقاد والمساواة وعدم تخيير الناس بين الإسلام أو القتال، ومن امثلة هذه الايات قوله تعالي: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقولة تعالي: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"، وقولة أيضا: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء".
وبحسب هذه القراءة فأنه قد تواتر نزول الأيات المكية "آيات الأصول" خلال ثلاث عشرة سنة وعندما رفضها أهل مكة ولم يستجيبوا للدعوة بالحسني جاءت هجرة الرسول للمدينة حيث نزلت الآيات المدنية "آيات الفروع" لتنسخ آيات الأصول وتحدث ثورة عنيفة أستوجبت أعمال السيف والقتال، وكانت آية السيف من ضمن آيات الفروع التي جبت آيات الحرية والمساواة والأختيار، وبحسب هذه القراءة فأن الزمن قد تغير تغيرا كبيرا مما توجب معه أن يحدث نسخا جديدا تعود بموجبه آيات الأصول "الأيات المكية" بوصفها قمة الدين لأنها تقوم على تقرير كرامة الإنسان إلى الواجهة ويتم نسخ آيات الفروع "الآيات المدنية" لأنها آيات تنزلت في ظروف استثنائية لتتماشى مع مستوى الناس في ذلك الزمان، وفي هذا السياق يسقط التعامل بأحكام آية السيف.
وهذه القراءة على الرغم من محاولتها اضفاء البعد التاريخي في قراءة النصوص الدينية إلا أنها تعاني من خلل أساسي يتمثل في الإنتقائية التي تمارسها في قراءة النص، فليست كل الآيات المدنية "آيات الفروع" تنادي بالعنف والقتال، والعكس كذلك صحيح مع الآيات المكية "آيات الأصول" التي لا تنادي كلها بحرية العقيدة والعفو والأختيار، ومن أمثلة الآيات المدنية التي تنادي بحرية الإختيار يقول تعالي: "لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.
في حين ترفض القراءة الثالثة مبدأ النسخ، وتدعو إلى قراءة آية السيف في سياقها القراني ضمن الآيات التي وردت قبلها وتلك التى جاءت بعدها، ومن أنصار هذه القراءة الباحث المصري الدكتور "نهرو طنطاوى" الذي يستنكر تسمية آية السيف بهذا الإسم ويعتبره من اختراع الفقهاء والمفسرين، وتدعو هذه القراءة إلى عدم اقتطاع هذه الآية من سياقها الذي وردت فيه فهي قد وردت في سياق من الآيات في أول سورة التوبة مكون من 15 آية، فقبلها أربع ايات وبعدها عشر آيات.
ويخلص أصحاب هذه القراءة إلى أن فهم آية السيف في سياقها الداخلي لا يؤدى إلى النتيجة التي توصل إليها الفقهاء والمفسرين من أصحاب القراءة الأولى وهي إنها نزلت لقتال أهل الأرض جميعا كى يعتنقوا الإسلام، فالآيات الـ15 مليئة بالإستثناءات لبعض المشركين، وهي استثناءات وردت في الآيات الواردة قبل آية السيف والآيات الواردة بعدها ومنها قوله تعالي: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، وقوله: {وإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}، وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
وهذه القراءة الأخيرة تبدو أكثر تماسكا من القراءتين السابقتين إلا انه يؤخذ عليها عدم الأشارة بوضوح إلى السياق التاريخي "بمعني القراءة التاريخية" وتركيزها على السياق الداخلي للنص وهو الأمر الذي قد يدخل أصحاب هذه القراءة في العديد من المازق في تفسير آيات أخري من القران.

لكن دعونا في النهاية نعترف أن الكثير من الإرهابيين يعتمدون على تأويلات فاسدة لآيات القرأن الكريم، وبإسم الله ذبحوا وقتلوا بسيف إدعوا أنه سيف الإسلام، والإسلام منهم بريء، فقاتل ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ قتله ﻭهو يقرأ القرآن ﻛﺎﻥ ﻳﺼﺮﺥ "ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ"، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻛﺎﻓﺮﺍ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺸَﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ، كما أن قاتل على ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ قام بطعنة ﻭﻫﻮ ﺭﺍﻛﻊ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﻜﻮﻓﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺼﺮﺥ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻃﻌﻨﻪ ﻟﻪ "ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ"، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﻛﺎﻓﺮﺍ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻭﺍﺣﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺸَّﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ، وحتي من ذبح الحسين حفيد رسول الله قطع رأسه لانه كان يعتقد أنه كافر.