يبدو أن ممارسة الإرهاب صارت حقا أصيلا وطبيعيا ضمن قائمة حقوق الإنسان التى تدافع عنها بعض المنظمات الحقوقية والأحزاب والحركات السياسية، بل إننى أكاد أسمع أحدهم يطالب بالحق فى الإرهاب بإلقاء المولوتوف أو ارتداء الحزام الناسف أو استهداف أحد أكمنة الشرطة والجيش باستخدام دراجة نارية بوصفه أحد الحقوق السياسية والمدنية المنصوص عليها فى اتفاقيات التمويل الموقعة مع المنظمات المانحة لاسيما الأمريكية والأوروبية.
عندما تصمت ما تسمى نفسها منظمات حقوقية عن إدانة الجريمة التي وقعت في طابا أمس الأول الأحد، وتنصرف إلى إصدار بيانات امتلأت بالأكاذيب بشأن عودة سلخانات التعذيب على يدي بعض ضباط الشرطة، تصبح هذه المنظمات فى موقف المتواطئ والموافق ضمنيا على ممارسة الإرهاب فالعملية الانتحارية لم تستهدف المحافظة على الحق فى الحياة وعيش المصريين وضيوفهم من السياح بسلام وأمان.
المؤكد أن حق سامى جوزيف فى الحياة وهو سائق الأتوبيس السياحى الذى استشهد ليس ضمن أجندة منظمات حقوق الإنسان التى لم تكف منذ شهرين تقريبا عن إصدار بيانات تطالب بالتحقيق فيما عرفت بقضية التسريبات الشهيرة التى فضحت كثيرين ممن قدموا أنفسهم كرموز لـ25 يناير، وكأن الخيانة والعمالة هى الأخرى حق من حقوق الإنسان وفضحها انتهاك لخصوصية الحق فى التآمر على الوطن.
على أية حال هذه المنظمات والأحزاب المتحالفة معها لم تصدر بيانا واحدا تدين فيه استهداف الكنائس وأقسام الشرطة ومديريات الأمن ووحدات جيشنا المقاتلة في سيناء، وانشغلت بالترتيب لشن حملة دعائية منظمة تستهدف النيل من رصيد الثقة الذى تشكل بين المجتمع وجهاز الشرطة، وراحت تطلق أكاذيب بشأن وقائع تعذيب يتعرض لها محتجزون احتياطيا دون أن تقدم دليلا ماديا واحدا على صحة أي من تلك الوقائع، وراحت تروج ادعاءات لمحتجزين ينتمون للجماعة الإرهابية أو حركة 6 إبريل وكلاهما دخل فى تحالف يضم بعض المنظمات الحقوقية والأحزاب والحركات مثل الاشتراكيين الثوريين، بهدف إسقاط الدولة المصرية تحت زعم أنهم ثوار يناير الحقيقيون.
المهم أن هذه المنظمات تحاول عبثا خلق قصص جديدة مشابهة لحكاية خالد سعيد ولا تترك فرصة إلا وتستغلها لتؤكد أن نظام ما قبل 25 يناير لا يزال قائما بكامل تفاصيله، ولو قرأت البيانات الصادرة بشأن إضراب عمال غزل المحلة عن مركز الأرض لن تجد فارقا يذكر عن البيانات التي كان يصدرها نفس المركز بشأن إضرابات العمال فى السنوات السابقة على 25 يناير 2011م، وليس ذلك بسبب تكاسل كاتب البيان وإنما رغبة محمومة فى إعطاء انطباع بأن شيئا لم يتغير وأن نظام الحزب الوطنى لا يزال هو الحاكم والمتحكم.
ما يصدر عن وزارة الداخلية من تقارير وبيانات صحفية تفند ادعاءات التعذيب وانتهاك حقوق المحتجزين كافٍ لكشف زيف تلك الادعاءات، وفضح ما فى قلوب مروجيها من مرض وغرض، ليس فقط لأن الكذبة لم يقدموا دلائل أو قرائن على ادعاءاتهم، إنما أيضا لأن ما يقدمه جهاز الشرطة من أرواح ودماء كل يوم، يؤكد أن هؤلاء رجال صدقوا ما عاهدوا المصريين عليه، فهل يحتاج من قرر مواجهة الإرهاب والموت بصدره إلى أن يكذب عندما يخاطب من تعهد بحمايته والدفاع عن حقهم بالحياة.
اللافت حقا أن هذه المنظمات والأحزاب التى تشن حملة تشويه ضد وزارة الداخلية، لم يتحرك أي منها لرصد وتوثيق الانتهاكات التى يتعرض إليها يوميا سكان العشش فى عزبة النخل الذين سقط جانب من كوبرى الشيخ منصور فوق رؤوسهم.
وتجاهلت مؤسسات مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومركز هشام مبارك والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية حادثة كوبرى الشيخ منصور، رغم أن الحقوق المنتهكة لسكان العشش هناك تقع فى أجندة عمل جميع تلك المؤسسات، لكن يبدو أن التمويلات الممنوحة فى هذه الفترة غير معنية بحقوق الناس الذين يسكنون فى العشش.
أشير إلى أن جميع هذه المؤسسات التى ذكرتها هي ممن دأبوا على إصدار بيانات وتقارير تؤكد وجود وقائع تعذيب داخل السجون دون أن تقدم دليلا واحدا، وممن انشغلوا بالدفاع عن جنرالات فضائح التسريبات.
ولا عجب فى ذلك كله فبعض نشطائها قادوا حملات شعواء لتشويه القضاء المصرى حتى قبل 25 يناير، وبعضهم من مؤسسى ما يسمى بتنظيم الاشتراكيين الثوريين وحركة 6 إبريل المتحالفين دائما مع الإخوان وضد الدولة.
قبل أن نثق فى كلمة يقولها هؤلاء وقبل أن يعطوا لأنفسهم الحق فى محاسبة أو مراقبة الآخرين عليهم أولا أن يقدموا إقرار ذمة مالية يكشف واقع حالهم قبل أن يعملوا فى مجال حقوق الإنسان، لاسيما أن هذا العمل فى الأصل وفى القانون تطوعى خاصة إذا تعلق الأمر برؤساء وأعضاء مجالس إدارات تلك المؤسسات والجمعيات، واللافت أن رؤساء ومديري تلك الجمعيات لم يتغيروا منذ سنوات طويلة، حتى إن بعض الجمعيات أصبحت معروفة باسم رئيس مجلس إدارتها وهو ما يعنى بالضرورة غياب أبسط قواعد الديمقراطية وتداول السلطة فى أغلب ما تسمى بمؤسسات المجتمع المدنى ومن ثم غياب النزاهة والشفافية وهى نتيجة طبيعية لاستمرار نفس الوجوه فى المناصب القيادية لفترة طويلة.
كيف لنا إذا أن نثق فى نزاهة وشفافية ما يصدر عن تلك المؤسسات المغلقة على أصحابها من تقارير وبيانات، مع العلم أن معظم رؤسائها وأعضائها البارزين كانوا من "مقاطيع قهاوى وسط البلد" واليوم يتحكم بعضهم فيما يسمونها هم اصطلاحا "حنفيات التمويل الأجنبى".