تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كل عام وحضراتكم بخير، انتهى شهر رمضان الكريم، وانتهت معه أحداث مسلسل الاختيار، أحد أهم الأعمال الدرامية التى قدمها التليفزيون المصرى منذ عدة عقود. وبعد النجاح الكبير للمسلسل، يبقى التساؤل؛ إذا كنا نمتلك كاتبا مثل باهر دويدار، ومخرجا مثل بيتر ميمى، ومجموعة من الممثلين مثل أمير كرارة وأحمد العوضى وباقى أبطال المسلسل، فما هو المانع من إنتاج أعمال على نفس المستوى تخلد تضحيات وبطولات الجيش المصرى العظيم؟
الكاتب الطبيب باهر دويدار (٤٧ سنة، وخريج طب القاهرة)، أثبت فى هذا العمل ومن قبله فى سلسلة «كلبش» أنه أحد أعظم كاتبى السيناريو فى العصر الحديث. لقد استطاع أن يجسد على الورق ملحمة حقيقية، وأن ينقل إلينا الأحداث بكل أمانة وموضوعية. ولقد كان موفقا عندما اختار اسم المسلسل «الاختيار». للدلالة على أن الطريق الذى سلكه كل من منسى، البطل الأسطورة، وعشماوى، الضابط الذى نجحت التيارات الإرهابية فى غسل مخه، كان من اختيارهما، التحدى الكبير الذى نجح فيه دويدار، هو المزج بين الأحداث الواقعية (الوثائقية)، والتفسيرات النفسية والموضوعية للأحداث. فلا هو عمل وثائقى فقط، ولا هو عمل خيالى فقط، بل خليط من سرد أحداث حقيقية جرت فى آخر عشر سنوات، وعايشناها يوما بيوم، وعايشها أهالى الأبطال الحقيقيين، مع التفسير المنطقى للأحداث. وربما ساعدت دراسة المؤلف للطب فى تفهم الأبعاد النفسية والانعكاسات الجسمانية للنفس البشرية، سواء كانت الشخصية سوية أو منحرفة، فظهرت خلفيات كل الشخصيات فى شكل متوازن ومتسق مع ما تقوم به من أفعال.
المخرج بيتر ميمى (٣٣ سنة)، الطبيب الذى تخرج فى طب القاهرة هو الآخر، نجح فى إخراج عمل صعب ومعقد وفيه جوانب متباينة بين وجهات نطر عقائدية وموروثات مختلفة. لقد نجح فى تقديم شخصيات مقنعة، وترجمة أحداث ومعارك وحوارات بحرفية عالية. ربما ليست مبالغة، ولكن ما شاهدته فى الاختيار، رغم أنه عمل تليفزيونى، لا يقل عن أعمال المخرجين الكبار، أمثال شريف عرفة فى فيلم الممر، أو يوسف شاهين فى فيلم الناصر صلاح الدين. وهو ما يبشر بمخرج عبقرى قادر على إنحاز أعمال عظيمة فى المستقبل.
أبطال المسلسل كانوا أيضا على مستوى العمل، خاصة أمير كرارة الذى أثبت أنه ممثل قدير، ونجح دون تصنع فى تقديم صورة متوازنة لشخصية بطولية وكارزمية. وربما كان التشابه فى الشكل والجسم مع البطل الحقيقى من عوامل تقبل المشاهدين للشخصية والتفاعل الإيجابى معها. كذلك كان الأداء الفنى لباقى الأبطال رائعا، خاصة أحمد العوضى، والذى أجاد بنظراته حالة القلق الداخلى الذى يعيشه هشام عشماوى.
وهناك فنانون كبار قاموا بأدوار صغيرة ولكنها كانت مؤثرة جدًا، خاصةً أحمد فؤاد سليم، فى دور الطبيب المثقف والد منسى، وإنعام سالوسة فى دور الأم الصعيدية المرتبطة بالأصول المصرية. العدد الضخم من الجنود والضباط الذى شارك كان موفقا جدا، مثل محمد إمام، وإياد نصار، وكريم محمود عبدالعزيز، وآسر ياسين، وماجد المصرى وأحمد السقا وغيرهم.
أعتقد أن المسلسل قد نجح فى مناقشة قضايا مصيرية فى المجتمعات الإسلامية، وأهمها قضية الصراع بين بعض الأفكار والموروثات الدينية المغلوطة للجماعات الإرهابية، وبين العقيدة القتالية للجيش المصرى، وهى الدفاع عن أرض الوطن، والحفاظ على أمن وسلامة الأرض المصرية. وبيقى التساؤل الهام وهو، إذا كنا نمتلك كل هذه الكوادر فى الكتابة والإخراج والتمثيل والإنتاج، فلماذا لا ننتج أفلاما ومسلسلات عن بطولات جيش مصر العظيم خاصة ملحمة أكتوبر الكبرى، التى شهدت بطولات خارقة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء. وأرى أنه من المناسب البدء فى إنتاج فيلم عن قصة الفريق أسامة المندوه، «خلف خطوط العدو». وفيلم آخر عن قصة البطل «إبراهيم الرفاعى» للكاتب جمال الغيطانى.
أدعو الله أن نستغل الفرصة وأن تتولى الشئون المعنويه للقوات المسلحة المصرية تذليل كل العقبات لإنتاج سلسلة من الأفلام السينمائية عالية الجودة، تخليدا لبطولات الجيش المصرى، على غرار ما أنتجته السينما العالمية عن الحرب العالمية الأولى والثانية.