ارتبط التراث الرمضانى المصرى بعاداته وتقاليده بالمسلسلات الرمضانية التى لا تتوقف طوال شهر رمضان، مما يجعل المشاهد يلهث وراءها لتصيد بعضها ممن يمثل للمشاهد من قيمة، ولاحظنا أن هناك بعض المسلسلات التى استحوذت على المشاهدة الجماعية وعلى رأسها مسلسل «الاختيار»، بالطبع فهذا المسلسل قد مثل قيمة وطنية حركت الوجدان الوطنى لدى المشاهد حين أظهر الدور الوطنى والقومى لقواتنا المسلحة التى هى قوات الشعب المصرى، وهى حافظة الوطن، خاصةً أن قضية المسلسل عن شهداء الوطن الذين واجهوا ولا زالوا يواجهون الإرهاب الاسود الذى لا يريد للوطن خيرًا، متحججًا بفكر دينى لا علاقة له بصحيح الدين وبمقاصده العليا، فالمسلسل قد أسقط مقولة «الجمهور عاوز كدا»، فالفن الهادف والحامل للقيم الوطنية والإنسانية هو الفن الباقى والخالد والمؤثر فى تشكيل الوجدان والإحساس الجمعى للجماهير، وهذه هى القيمة العليا للاختيار، ودون النظر للجانب الفنى والنقدى فهذا موضوع آخر، خاصةً أن صُناع المسلسل حاصروا الوطنية فى الإطار الدينى فقط، وهذا مقبول على اعتبار أن الدين الصحيح هو الذى يدعم الانتماء للوطن، ولذا كان من الضرورى التركيز على أن الخائن والوطنى هما مصريان دون النظر لديانة هذا أو ذاك، وهنا لا بد من إعادة دور الإنتاج الفنى فى إنتاج مثل هذه الأعمال التى نحتاج إليها لتسجيل تاريخنا فنيًا، وذلك لدور الفن كقوة ناعمة لها تأثيرها العظيم.
أما المسلسل الآخر فهو «البرنس»، الذى شد المشاهد؛ حيث إن ثقافتنا الشعبية تأثرت تاريخيًا بما يسمى بـ«المظلومية» سواء تأثرًا بقصص الأديان مثل قصة سيدنا يوسف وما فعله إخوته به، أو تأثرًا بتاريخنا الذى عانينا فيه من كل أشكال الاستعمار، ولذا تعاطف المشاهد مع الذى ظلمه إخوته، هذا فى الوقت الذى لم يسلم المسلسل من خلطة شعبية ساقطة وهابطة هدفها إثارة مشاعر المشاهد، خاصة إظهار تلك العلاقة الآثمة بين زوجة أحد الإخوة مع أخيه، فهذه ليست ظاهرة اجتماعية تستحق التركيز عليها، بل هى سقطة تضاف إلى غيرها فى هذا المسلسل الذى حاول تحسين صورة بطله بعيدًا عن البلطجة، حتى إنه لم يصف إخوته، بل تركهم المؤلف لتصفية بعضهم البعض.
نأتى إلى ثالث المسلسلات وهو «الفتوة»، الذى يدور عن الفتونة، والفتوة كان موجودًا بالفعل فى أحياء مصر القديمة، وكان يقوم بعمل مهم مثل شيخ الحارة، فكلمته تنفذ ليساعد البوليس فى السيطرة على المنطقة وفرض الأمن، كما أن الفتوة وجدَ فى ظل الاحتلال الإنجليزى لكى يحافظ على مصالح الاحتلال خوفًا من ثورة الجياع حين ذاك، فكانوا يطلبون الفتوة من أقوى الرجال حتى يهابه الناس، وبالرغم من هدف الإنجليز فى بذر بذرة الخوف فى نفوس المصريين، فإن الفتوة جاء عكس ذلك، فكان رجلًا محبوبًا عطوفًا وينصر المظلوم، ولذا نجد فى تراثنا المصرى بذور فتونة لا زالت قائمة فى الأحياء عن طريق رجل يحبه الجميع، ويستطيع أن يدافع عنهم، وقد تأثر صاحب نوبل «نجيب محفوظ» بهذا المناخ الشعبى فى حى الجمالية، فأبدع فى تشخيص شخصية الفتوة فى أعماله الثلاثة «أولاد حارتنا، الشيطان يعظ، ملحمة الحرافيش»، كما أن هذه الأعمال نتجت عنها أعمال سينمائية لها تواجدها فى التراث السينمائى، أولها فيلم «فتوة الحسينية» فى الخمسينيات، ثم تبع ذلك أفلام «الشيطان يعظ، المارد، الحرافيش، التوت والنبوت، الجوع»، وأخيرًا مسلسل «الفتوة»، وإن كان المسلسل قد حافظ على جو أحياء نجيب محفوظ مع التقدم الفنى فى الإضاءة والديكورات، والأهم فى موضوع الفتوة هو أن القوة دائمًا غاشمة لا تفيد صاحبها، فلا حب بالإكراه ولا انتماء بالجبر ولا خضوع مع الجوع، ولكن الحب والانتماء والخضوع ينبع من الحب التلقائى والاقتناع، وهما أدوات الفتوة الذى يرمز إلى صاحب القراروإلى الزعيم وإلى الحاكم، فحب الشعب والتفاف الجماهير وانتمائهم هو السياج الحامى للحاكم وللنظام فى أى زمان وأى مكان، وهذا ما يسمى فى العلوم السياسية بـ«الشرعية الجماهيرية». حفظ الله مصر وشعبها وجيشها العظيم.