الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

العيدية والسماط والإنشاد.. مصر تمنح العالم طقوس الاحتفال بالعيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحمل الأعياد الدينية في مصر طابعا احتفاليا خاصا، اشتهرت به البلاد ونقلته إلى جميع الأقطار الإسلامية عبر العصور، فمن الإنشاد والأدعية التي تتنافس فيها أجمل الأصوات، وحتى الموائد العامرة وعطايا الحكام التي توزع على العامة عقب الصلاة، ليعود إنشاء أغلب الطقوس التي نمارسها اليوم إلى عصور الخلافة الزاهرة. 
وفي كتابها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، وصفت الدكتورة سعاد ماهر محمد، جانبا كبيرًا من الاحتفال بعيد الفطر، والذي كان يبدأ مع ختام شهر رمضان، فكان الخلفاء يختتمون الليلة الأخيرة من الشهر المعظم بندب المقرئين للاحتفال بليلة العيد، والذين كانوا يبدءون بقراءة آيات الذكر الحكيم، ويتنافسون في التلاوة بأحسن الأصوات، ثم يجيء بعد ذلك الخطباء؛ وسردت سعاد أن المؤذنين "كانوا يكبرون ويهللون وينشدون الأدعية الصوفية إلى أن ينثر عليهم الخليفة من الشرفة الدنانير والدراهم، وتوزع عليهم أطباق القطائف مع الحلوي وخلع العيد".

موكب الخليفة
وتذكر المؤلفة أنه عند فض مجلس المقرئين والخطباء، ينتقل الخليفة إلى قاعة الذهب فيجلس في الديوان وعلى يمينه وزيره، ثم يتراص بعده الأمراء بعد أداء التحية كل في المكان المخصص لهم، ويتبعهم الرسل الوافدون من جميع الأقاليم لتقديم التهنئة والهدايا؛ ثم بعد ذلك يعاود المقرئون قراءة آيات من القرآن الكريم. 
وفي خطوة احتفالية أخرى كان الخلفاء يخرجون للاحتفال بقدوم العيد في مواكب عظيمة ومبهرة مثل موكب رؤية هلال رمضان، فيسير الخليفة في ملابس بيضاء موشحة بالفضة والذهب ومظلته كذلك، ويرافقه وزيره وقادته في ملابسهم الجديدة إلى باب القصر، يحيط بهم العسكر وفرق الموسيقى والخيالة؛ إلا أن عساكره في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر من موكب استقبال رمضان، وينتظم الجند له في صفين من باب القصر، حتى يؤدي صلاه العيد في مصلى أقيم خصيصًا لهذا الغرض، نقل الكتاب موضعه عن المقريزي، شيخ المؤرخين في عصره، والذي قال "كان في شرقي القصر الكبير مصلى العيد من خارج باب النصر".
المعز لدين الله يبتكر "العيدية"
ومنذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي ظهرت واحدة من أشهر طقوس الأعياد في مصر وهي "العيدية"، فقد أراد الخليفة أن يستميل أفئدة المصريين مع بداية حكمه، فأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة، مع حلول كلّ عيد على رجال الدولة وعامة الرعيّة، وكانت تعرف بأسماء عدة آنذاك، من بينها "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت توزع العيدية مع كسوة العيد خارجًا عما كان يوزع على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة الفطر من الدراهم الفضية، وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة، كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
"السماط".. مائدة العيد العامرة
وكأغلب الاحتفالات الدينية، شهد عصر الخلافة الفاطمية اهتمامًا خاصًا باستقبال الأعياد متمثلا في إقامة موائد كبيرة يدعو الحاكم الناس إليها من كافة الطبقات، وتعد ألوان الطعام بكثرة، والتي كان يطلق عليها اسم "الأسمطة".
ووفق المؤرخين، كان الخلفاء الفاطميون يقيمون "السماط" يوم العيد الفطر مرتين، وكانت المائدة تعد بطول 300 ذراع وعرض سبعة أذرع، وكان السماط الأول يتم الإعداد له قبيل صلاة العيد ويشرف عليه الوزير بنفسه بأمر الخليفة، ويتمد للجميع من خاصة وعامة الشعب عقب انتهاء صلاة العيد؛ ويمتد السماط بحضور الخليفة، من بعد صلاة عيد الفطر وحتى الظهر. وقيل إن السماط الآخر كان يطلق عليه اسم "المدورة"، وكان يمتد وعليه أوانٍ مصنوعة من الفضة والذهب، وكان يضم 21 طبقًا كبيرًا تحتوي على 21 خروفًا، و350 دجاجة، و350 حمامة، بجانب الحلوى التي اشتهر بها العصر الفاطمي، حيث يزن كل طبق من الحلوى 17 قنطارًا.
الملك فاروق و"ليلة العيد"
وفي آخر عهود الملكية، اعتاد الملك فاروق، آخر الحكام من الأسرة العلوية، أن يرسل مندوبًا للمحكمة الشرعية في ليلة التاسع والعشرين من رمضان للتأكد من ثبوت الرؤية، والتي ما إن يتم التأكد منها حتى يقوم الملك بتوزيع العطايا والزكاة؛ وروي أنه كان يستيقظ مبكرًا لتأدية صلاة العيد برفقة الحاشية الملكية وكبار رجال الدولة في مسجد الغوري في شارع الأزهر، ويعود بعدها إلى سرايا القبة، ليستمع ورفقته إلى فرقة الموسيقى الملكية التي كانت تطل على المصريين في الأعياد.
واعتاد الملك الراحل خلال أيام العيد الثلاثة إقامة الحفلات الخيرية والغنائية، والتي كانت كوكب الشرق أم كلثوم تحيها؛ وكانت أشهر ما شدته به على الإطلاق أغنية "يا ليلة العيد آنستينا"، والتي لا تزال من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد وتتغنى بها الأجيال إلى اليوم.