وصلنا إلى المرحلة الأصعب في مواجهة الجائحة التى سببها فيروس كورونا المستجد (كوفيد -١٩)، وهى مرحلة الاختيار بين الاستمرار في التباعد الاجتماعي وما يتطلبه من غلق المدارس والجامعات والمطارات والنشاط الاقتصادى، والعودة التدريجية للنشاط الإنسانى، وما يحمله معه من مخاطر من عودة أو استمرار انتشار الفيروس.
ففى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى أغنى الأماكن في العاصمة واشنطن، اصطف المئات من الأفراد في طوابير طويلة للحصول على الغذاء المجانى، وهو ما يعكس التأثير السلبى لغلق النشاط الاقتصادى. وفى نفس الوقت، دخل الجدل الدائر بين إدارة الرئيس ترامب وحكام الولايات من ناحية والأطباء من ناحية أخرى، مرحلة حاسمة. فبينما ترغب الإدارة في الفتح التدريجى للنشاط الاقتصادى، يرى بعض الساسة والأطباء أن الوقت ما زال مبكرا، وأن استمرار الغلق هو الضمانة الوحيدة لتجنب المزيد من الضحايا.
وفى المملكة المتحدة، يستمر الجدل بين الحكومة التى ترغب في فتح تدريجى للنشاط، والعديد من منظمات المجتمع المدنى. فعلى سبيل المثال، ترغب الحكومة في عودة التلاميذ إلى المدارس الابتدائية في بداية شهر يونيو المقبل، مع تقليل أعداد التلاميذ في الفصل الواحد إلى النصف (١٥ تلميذا). بينما يعترض على ذلك اتحاد نظراء المدارس، الذين يتخوفون من عدم إمكانية السيطرة على التلاميذ وخروج الأمور عن السيطرة، والعودة إلى الغلق مرة أخرى.
وفى إيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا وغيرها من الدول الأوروبية، ترغب الحكومات في عودة النشاط الاقتصادى، وبخاصة عودة السياحة الداخلية والخارجية مع بداية شهر يونيو، وفى نفس الوقت يتخوف الكثير من التسرع في عودة النشاط وحدوث انتكاسة جديدة نتيجة إعادة انتشار الفيروس.
وفى البرازيل، أقدم وزير الصحة الذى لم يمض على تعيينه سوى شهر واحد على تقديم استقالته، مثل سابقه الذى استقال أيضا بسبب خلاف مع رئيس البرازيل. الوزير يرى أن العودة إلى النشاط الاقتصادى في ظل الأعداد المتزايدة من حالات الإصابة، سوف تزيد من انتشار الفيروس وزيادة أعداد الوفيات، بينما يرى الرئيس أن استمرار غلق النشاط الاقتصادى سوف يؤدى إلى موت الناس من الجوع والفقر.
وفى مصر، أعلن د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، عن الإجراءات التى سيتم تطبيقها خلال الفترة المقبلة، والتى تشهد الاحتفال بعيد الفطر المبارك وامتحانات الثانوية العامة والسنوات النهائية في الجامعات. وهى إجراءات تهدف إلى التقليل من انتشار فيروس كورونا، وفى نفس الوقت التعايش مع المرض، الذى بات واضحا، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه سوف يستمر معنا لعدة أشهر مقبلة.
وكما كان متوقعا، أعلن د. مدبولى أنه سيتم خلال أسبوع عيد الفطر المبارك غلق جميع المحال والمولات والمطاعم ومناطق الخدمات الترفيهية والشواطئ والحدائق العامة والمتنزهات، وإيقاف وسائل النقل الجماعى، وهى إجراءات ضرورية للحد من انتشار أوسع للفيروس خلال التجمعات التى اعتاد عليها المواطنون خلال الأعياد.
وأضاف أنه بعد ٣٠ مايو، سيكون هناك إجراءات احترازية، أهمها ضرورة ارتداء الكمامات في الأماكن العامة. وأنه اعتبارًا من منتصف يونيو المقبل، ستتم مناقشة إعادة بعض الأنشطة الرياضية والنظر في إعادة فتح المطاعم، إضافة إلى دراسة العودة التدريجية لإقامة الشعائر الدينية. كما أعلن وزيرا التربية والتعليم والتعليم العالى، أنه ستكون هناك إجراءات احترازية وتنسيق كامل بين عدة وزارات خلال امتحانات الثانوية العامة، والمقرر أن تبدأ يوم ٢١ يونيو، وامتحانات السنوات النهائية في الجامعات والتى تبدأ في الأول من يوليو.
ومما سبق يتضح أن كل دول العالم تقريبا قد اختارت التعايش مع فيروس كورونا المستجد. ندعو الله أن تنتهى الأزمة الحالية في أقرب وقت ممكن، وأن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل جائحة «كوفيد -١٩».