الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شركات الطيران.. كيف وليس متى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
السؤال الرائج حاليا، هو متى تستأنف شركات الطيران عملياتها. وبالطبع لكل شركة نظرتها بشأن التاريخ الذي ترغب فيه العودة للعمل. لكن على جمهور المتسائلين أن يعلموا أن بدء التشغيل، ليس قرار شركة الطيران وحدها، لكنه قرار يستلزم عشرات الموافقات والترتيبات والتصاريح، سواء من جهات داخل الدولة أو في دول أخرى إذا كان التشغيل دوليا. ثم إن تشغيل رحلة جوية في زمن الشح المالي يستلزم أساسا وجود طلب معقول على الرحلة وليس مجرد إقلاع رحلة بدون عدد مناسب من الركاب لتزداد وتتراكم الخسائر. فهناك العديد من العوامل التي تجعل العودة للإقبال على السفر، أمرا مشكوكا فيه، ومن ذلك:
1- الخوف من ركوب الطائرات، وهي مكان ضيق، لا يسمح بوجود مسافات التباعد المطلوبة. وبالتالي الخوف من انتقال العدوى.
2- الخوف من بدء المجازفة، والانتظار لحين معرفة ماذا سينتج عن سفر ركاب آخرين.
3- الخوف من حدوث موجة أخرى من المرض، وإعادة إغلاق المطارات، والتعرض لمشكلات العالقين المأساوية.
4- اكتشاف كثير من الشركات ورجال الأعمال أنه يمكن الاستغناء عن السفر وتوفير تكاليفه الباهظة، بطرق عديدة مثل مؤتمرات الفيديو والوسائل الإلكترونية الأخرى.
5- تخفيض ميزانيات السفر في كثير من شركات الأعمال، بسبب الخسائر التي عانتها.
6- ازدهار عمليات التدريب والتعليم والمؤتمرات عن بُعد، وبالتالي تقليل السفر.
7- الخوف من السفر السياحي لبلاد أخرى، خوفا من وجود عدوى في تلك البلاد.
8- تخوف السائحين من الفنادق كمكان قد تنقل العدوى.
9- تعرض كثير من الأفراد لفقد وظائفهم أو تخفيض رواتبهم، وعدم وجود مال للسفر.
10- اتجاه كثير من العائلات إلى تفضيل الادخار، وتعلم الدرس، ومن ثم سيؤجلون أية مشاريع للسفر لعدة سنوات قادمة.
11- عدم إعطاء العائلات حرية السفر لأبنائهم وبناتهم، كما كان في السابق.
12- فقد الكثير من العاملين بالخارج لوظائفهم، وبالتالي عدم سفرهم المتكرر للوطن.
13- خوف الكثير من العاملين خارج وطنهم من السفر، خشية عدم القدرة على العودة.
14- تفضيل العاملين في الخارج، ترحيل أسرهم للوطن، وبالتالي قلة أعداد المسافرين 
وبفرض توافر أعداد من المسافرين.. يبقى السؤال الأهم: كيف ستقوم شركة الطيران وشركة المطار باستيفاء الإجراءات الاحترازية والصحية لإنجاز الرحلة الجوية، منذ دخول الراكب من بوابة مطار السفر وحتى خروجه من بوابة مطار الوصول، مرورا بالأوضاع داخل المطارات، وطوابير التفتيش الأمني للراكب وحقائبه، وطوابير وزن العفش وإنهاء إجراءات السفر أمام الكاونتر إلى طوابير الجوازات. وطوابير دخول الطائرة، ناهيك عن ركوب الأتوبيس أو السير في أنبوب أو الصعود على السلم للوصول لباب الطائرة. ثم المعضلة الكبرى وهي الجلوس داخل الطائرة ذاتها طوال زمن الرحلة مرتدين الكمامة. 
تقول المطارات، إنها ستلتزم بالتعقيم ومسافات التباعد. وهذا أمر مستبعد ومستحيل. وإن تم فعلا فستنخفض قدرة المطار على الاستيعاب إلى أقل من الربع، وستقف الطوابير خارج صالات إنهاء الإجراءات [فالمطارات ليست مصممة على تباعد المسافات] وستستغرق إجراءات الرحلة أضعاف الوقت المعتاد. وبالتالي سينخفض استغلال ساعات الطيران للطائرة، وستقضي معظم وقتها على الأرض انتظارا للركاب، ويزيد الوهن المالي للشركات، وستكون أكبر معضلة هي جلوس الركاب بجوار بعضهم في مقاعد الطائرة. وتقول شركات الطيران إنها ستلزم الراكب بارتداء الكمامة طوال الرحلة، وانها لن تشغل المقعد الأوسط بأي راكب. ولنا عدة ملاحظات على هذا الأمر:
1- هناك طائرات بها صفوف فيها مقعدان متجاوران فقط، ولا يوجد مقعد أوسط. ومعنى ذلك عدم شغل أحد المقعدين، وترك طابور كامل من المقاعد دون استخدام. وهناك طائرات بها أربعة مقاعد متجاورة، ومعنى ذلك عدم شغل مقعدين من الأربعة.
2- المسافة العرضية للمقعد الأوسط الشاغر، لا تتيح إلا أقل من خمسين (50) سنتيمترا بين المقعدين المشغولين، وهو لا يحقق مسافة التباعد [182 سنتيمتر] ولا حتى ثُلثها. والمسافة الطولية بين صف المقاعد والصف الذي أمامه أو خلفه، لا تزيد عن ثمانين ( 80 ) سنتيمترا، وهو لا يحقق مسافة التباعد. وهل سنشغل صفا ونفرغ الذي أمامه والذي خلفه.
3- هل سنفرض على الراكب عدم الشرب أثناء الرحلة، حتى لا يخلع الكمامة، بفرض أننا منعناه من تناول الطعام طوال الرحلة. أم سنطلب منه لو أراد الشرب أن يذهب لمكان معين بالطائرة ليشرب فيه خالعا الكمامة. واذا حدث ذلك فماذا عن الراكب الذي يليه فقد يلتقط العدوى. وهل ستسمح شركات الطيران بكمامة يحضرها الراكب [قد تكون غير مطابقة أو ملوثة] أم ستعطيه هي كمامة تضمن هي جودتها.
4- ماذا عن استخدام دورات المياه، ونعلم أنها ضيقة ومحدودة المساحة طولا وعرضا وارتفاعا، وهي بؤرة لنقل العدوى، لو استخدمها شخص ناقل للعدوى.
5- لا مجال للادعاء بأنه سيتم ملاحظة الركاب حراريا وشخصيا قبل ركوب الطائرة للتأكد من سلامتهم. فجميع السادة الأطباء ومنظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة في كل الدول، يؤكدون أن غالبية ناقلي فيروس كورونا لا تظهر عليهم الأعراض.
6- في مقاعد درجة رجال الأعمال، والتي تحتوى على مقعدين متجاورين، هل سيتم شغل المقعدين، وإهمال مسافة التباعد، أم سيتم شغل مقعد واحد، وبالتالي فقدا للإيرادات.
7- اذا كانت مسافات التباعد يتم فرضها في المساحات المفتوحة والأماكن الواسعة، فما بالنا بكابينة الطائرة التي تمثل أنبوبا ضيقا محدود الأبعاد [رغم وجود فلاتر متقدمة].
8- هل ستأخذ شركات الطيران تعهدا على الراكب قبل ركوب الطائرة، بأنه إذا أصابته كورونا نتيجة الرحلة الجوية، فلا يحق له الرجوع عليها ولا يستحق أية تعويضات.
9- هل ستأخذ المحاكم بذلك التعهد، وهل سيمتد التعويض إلى المطارات والسلطات الحكومية. 
10- إذا ظهرت الأعراض على راكب أثناء الرحلة، هل سيتم حجز الركاب والطاقم والطائرة في مطار الوصول [هذا ويمكن إضافة عشرين ملاحظة أخرى، وهو ما لا يسمح به المقام] ومعضلة الختام: أن الغالبية من معتادي السفر، لم تحدث لهم كوارث من عدم السفر [الكوارث كانت من نصيب شركات الطيران وشركات الخدمات الجوية وأيضا من نصيب العالقين] ولو كان السفر بالطائرة سيمثل للمسافر احتمالا بالعدوى، فلن يفعل الا اضطرارا. وكثير منهم حمد الله على أنه لم يكن مسافرا وقت حدوث الأزمة. ومن ثم فإن دعاوى الارتفاع الباهظ في أسعار التذاكر نظير تقليل عدد الركاب في الطائرة، لن يقابله إقبال أوطلب على السفر. كما أن السفر جوا لم يكن ليزدهر في الولايات المتحدة ليصل من 5 مليون راكب عام 1944 إلى أكثر من مليار راكب عام 2019 لولا الانخفاض الشديد في أسعار السفر، بعد نزع القيود في 1978. 
ومن ثم نصبح أمام خياران أساسيان هما: رفع كل القيود على السفر والعودة إلى الأوضاع العادية وتحمل المخاطر وإقناع الركاب بذلك، أو الاستمرار في تقييد السفر. أما خيار الإجراءات الاحترازية وعلى رأسها مسافات التباعد، فهي غير مطبقة في حافلات النقل البري والقطارات ومترو الانفاق وسيارات الأجرة والميكروباص! وهي تنقل في اليوم الواحد ما تنقله شركة طيران كبيرة في عام!!