تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
العلم بوجه عام هو المعرفة وإدراك الشىء على ما هو عليه، وبوجه خاص هو دراسة لها موضوع محدد وطريقة ثابتة توصل إلى طائفة من المبادئ والقوانين، وينصب العلم على القضايا الكلية والحقائق العامة المستمدة من الوقائع الجزئية.
فالعلم إذا أُخِذَ بمعنى فضفاض، كان يـدل على ما نعرفـه، وعلى مجموع المعـرفة البشـرية بأسرها. غير أن تعريف العلم بأنه كل المعرفة لن يكون تعريفًا صالحًا، فمن الواضح أن هناك أنواعًا مختلفة من المعرفة. هذه الأنواع تختلف تبعًا لطريقة اكتساب المعرفة، وكذلك تبعًا لإطار التجربة التى تندرج فيه. فما نعرفه عن الفنون، والأدب، والقانون، والدين، والخبرة الفنية، يكون كل منه ذخيرة من المعلومات المستقلة المتفاوتة، غير أن هذه المعلومات لا صلة لها بما نُطلق عليه عادةً اسم العلم.
مفهوم «المعرفة» إذن ليس مرادفًا لمفهوم «العلم». فالمعرفة أوسع حدودًا ومدلولًا، وأكثر شمولًا وامتدادًا من العلم، والمعرفة في شمولها تتضمن معارف علمية ومعارف غير علمية. ولذا يمكن القول بأن كل علم معرفة، وليست كل معرفة علمًا. وتقوم التفرقة بين النوعين على أساس قواعد المنهج وأساليب التفكير التى تتبع في تحصيل المعارف. فإذا أتبع الباحث قواعد المنهج العلمى في التعرف على الأشياء والكشف عن الظواهر، فإن المعرفة تصبح حينئذ معرفة علمية.
وقد جرى العرف على إطلاق «العلم» على نوع خاص من المعرفة، هو النوع الذى يبحث عن القوانين العامة التى تربط بين مجموعة من الحقائق الخاصة. وبالتدريج قلّ النظر إلى العلم على أنه معرفة، وقوى النظر إليه من حيث هو قوة للتحكم في الطبيعة. وقد أدرك الإنسان منذ قديم الزمان ما للعلم من أهمية عظيمة في حياته، ولاحظ أنه لولاه لما استطاع أن يحيا على المستوى الحضارى الذى يبتغيه ويطمح إليه. وأثر العلم بارز في شتى نواحى الحياة الزراعية والصناعية وفى وسائل المواصلات والترفيه وما إلى ذلك. والواقع أن كل ما يتعلق بالحياة التى نعيشها قد تأثر بالعلم، ومن ثمّ يمكننا القول بأن «العلم» نوعان: علم نظرى يحاول تفسير الظواهر وبيان القوانين التى تحكمها كالفيزياء والرياضة، وعلم عملى يرمى إلى تطبيق القوانين النظرية على الوقائع والحالات الجزئية.
والعلم من حيث هو بحث نظرى يتساوى مع غيره من المباحث الإنسانية الأخرى - كالفلسفة والفن وغيرهما - ولا يفوقها، أما إذا نظرنا إليه من حيث تطبيقاته العملية، فسنجد لـه أهمية اجتماعية كبرى، فهو من هذه الناحية قد جعل من الممكن - بل من الضرورى - إيجاد صور جديدة للمجتمع البشرى. وقد أحدث فعلًا تعديلات بعيدة الأثر في التنظيمات الاقتصادية، وفى وظائف الدول، وقد أخذ يعدل في حياة الأسرة، ويكاد يكون من المقطوع به أنه سيتحقق ذلك في المستقبل القريب على نطاق أوسع بكثير مما كان حتى الآن.
العلم ليس محصورًا داخل المعامل، بل هو أى تفكير منظم يستمد الحقائق من المشاهدة الدقيقة والتجربة ثم يرتبها ويربطها في نسق يضمها معًا فيفسرها.
كما أن التفكير العلمى ليس حشد المعلومات العلمية أو معرفة طرائق البحث في ميدان معين من ميادين العلم، وإنما هو طريقة في النظر إلى الأمور تعتمد أساسًا على العقل والبرهان المقنع - بالتجربة أو الدليل - العلم هو أولًا وأخيرًا منهج في التفكير، ولا يمكن أن نتصور وجود علم بلا منهج. فكل العلوم لها مناهجها، بل إنها تتقدم باستخدام مناهج جديدة. وإذا كنا ننظر إلى العلم بوصفه منهجًا، فإننا ننظر إليه على هذا النحو بغض النظر عن الموضوعات التى ندرسها بذلك المنهج، فليس العلم موقوفًا على نوع الحقائق التى يبحثها العلماء. لأن الحقائق التى يبحثونها مختلفة، ورغم اختلاف موضوعاتهم فنحن نطلق عليهم جميعًا وصف «علماء»، والذى جعلهم يستحقون هذا الوصف هو منهجهم الذى اعتمدوا عليه في البحث لا مادتهم التى يبحثونها.