الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شواطئ.. الرأسمالية تحتضـر (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع المؤرخ والأكاديمي الفرنسي جيروم باشية، الأستاذ بالمدرسة العليا لدراسات العلوم الاجتماعية في كتاب " الرأسمالية تموت.. استقلالية ومجتمع أفضل وعوالم متعددة " بقوله: لقد أصبحت البطالة واسعة النطاق أحد الملامح الهيكلية التي تضمن أن علاقة القوة في صالح رأس المال والتي تسمح له بفرض ظروف عمل متدنية وتعميم طريقة إدارة البشر بواسطة بث الخوف من عدم الاندماج في المجتمع وكذا عن طريق اندماجية آليات التكيف الذاتي التنافسي.تخيل عالم ما بعد الرأسمالية يضم في كل أبعاده، مجتمعا يتخلص من منطق القيمة، والإنتاج من أجل الربح والعمل من أجل البقاء. ويفترض هذا بصفة خاصة أن نأخذ الأمور لنهاية واحدة. أن ننظر إلى منطق آخر اجتماعي يقوم على مبدأ فك التخصصية المعممة للمهام الإنتاجية، وعلى عكس اتجاه مبدأ تقسيم العمل، الذي لم يولد في الحقيقة مع الرأسمالية. لكن هذا التقسيم قد تم دفعة بدرجة كبيرة من التخصص لم نشهدها منن قبل. 
إن فتح الطريق لمجتمع فك التخصصية المعممة، الذي يتنوع فيه مجال الأنشطة التي يمارسها كل فرد بدلا من أن يتقيد كما هو الحال اليوم، تحت حجة الفعالية التي تفترضها التخصصات، يعنى أولا ثوره الوقت التي ترتبط بها التحولات للاستخدامات العملية للوقت والتحولات الذاتية. ومن أجل إعطاء صلابة لثورة الوقت، فأنة يكفى البدء في إحصاء مجالات الإنتاج للسلع والخدمات التي لا يعضد وجودها الحالي سوى منطق السلعنة – كل شيء يصلح للمتاجرة – والحاجة المزدوجة لزيادة الإنتاج دون توقف من اجل تعظيم الربح وإعادة إنتاج مؤسسة سياسية - اجتماعية تهيأ لذلك. في مجتمع ما بعد الرأسمالية، الوقت متاح ليس مجرد بقية وقت ما بعد العمل، إنه ضروري. بسبب أنه لم يعد هناك مجال حتى للعمل ولكن هناك نشاطا متواصلا وترتيبا للحياة كلها، ويرفض أن يتخلى الفرد عن قدراته اليدوية أو الفكرية ليقوم برهنا أو دمجها في مشروع حيث يقوم الآخرون بالسيطرة على تلك القدرات. 
وفى نظام الأجور يبقى العامل منفصلًا عن الوسائل الخاصة بنشاطه ويبقى غريبا غاياتها. فالعامل يتخلى عن المعنى الفعال لنشاطه. إن إلغاء العمل المأجور بعيد ويرمم وحدة البشر. إنه يلغى التفكك ما بين " عمل " واتخاذ القرارات المرتبطة بهذا " العمل " ويتيح لمن صنع هذا العمل مراقبة نشاطه. وفى حين أن النظام الرأسمالي قد قام على منطق تقسيم العمل والتخصصية المتزايدة، فإن حقبة – زمن العمل – والوقت المتاح يسمح بتفكيك التخصصية المعممة، الذي بدوره يفتح أمام كل فرد إمكانية أن يجرب عدة مجالات إنتاجية ومهارات. الوقت المتاح هو بالتعريف ما يقرر كل فرد أن يعمل فيه. لا يوجد مكان لأي تقسيم هرمي للعمل للأنشطة اليدوية والأنشطة الفكرية في مثل هذا العالم، وهذا يستبعد بالتالي كل تفوق للرأس على الجسد، للفكر على المشاعر، للعضلات على الأنوثة، للنظرية على التطبيق. إن مجتمع الوقت المتاح بحث على إيقاع زمني آخر والذي يعد أيضا جوهر ذاتية أخرى. إن طغيان واستبداد الوقت المحسوب يجعل كلا منا سجينا في حارة سباق منضبطة مثل آلات وماكينات معصومة من الخطأ، يتعارض مع الوقت المتوافر، ومفتوحا لكل فروع وأقسام التبادل، لكل فروع العقود الآجلة الممكنة. 
لقد استمرت الرأسمالية في البقاء والعيش على مصادرة المجتمعات غير الرأسمالية من أجل العمل على استنزاف مواردها وسكانها. ومع ذلك، فإن هذا البعد كان يبدو في طريقه إلى النسيان، عندما بدت مفاهيم السيولة والقطيعة بين المكان والمجتمع قادرة على وصف التوجهات المسيطرة لعالم المال والتمويل قد حثت على عدم الاهتمام إلا بالموضوعات الأكثر افتراضية في الاقتصاد. بيد أن هذا البعد قد عاد مرة أخرى إلى دائرة الاهتمام، على الأقل منذ الحروب في أفغانستان والعراق، والرهانات الجيوسياسية، مع ظهور توجه واضح بنفس القدر من الأهمية نحو إعادة توطين إقليمية لأشكال الهيمنة. 
وللحديث بقية