الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الملكية الفكرية ويومها العالمى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حظيت الملكية الفكرية بإهتمام العالم بعدما ساعد تطور وسائل الاتصال التكنولوجية في تكريس مفهوم مارشال ماكلوهان عن "القرية الصغيرة"، ومن ثم بات من السهل تتبع الإنتحال لأفكار أو إبداعات الغير. والواقع فإن فكرة الملكية الفكرية في ذاتها قديمة منذ أمد بعيد ليلحق بها الإصطلاح منذ القرن التاسع عشر، ثم لتستقر في القرن العشرين في شكل تنظيمى عالمى حدد لها يوم 26 من أبريل كل عام كيوم عالمى لها يوافق تاريخ إنشاء المنظمة العالمية الخاصة بها.
و الواقع فإن الملكية الفكرية قد صاحبها تقنين لحفظ حقوق الإبداع بعامة من حيث النشر وبراءات الإختراع والعلامات التجارية مثالاَ لا حصرًا، بعدما أدت وسائل الاتصال إلى اكتشاف الكثير من حالات التعدى في شتى المجالات الإبداعية التى لم يكن يتم كشفها من قبل إلا بالصدفة البحتة. وهكذا باتت هذه الوسائل بمثابة الرقابة غير الرسمية للحفاظ على حقوق الملكية وتيسير السبيل للعقاب المادى والمعنوى، لاسيما في ظل عدم سقوط الجرم بالتقادم إلا بعد فترة على المستوى المادى في حين يظل (التجريس) المعنوى بمثابة العقاب المستدام مهما طال الأمد.
و الواقع فإن ما يثار الآن عن إنتهاك الملكية الفكرية فيما يتعلق بالبحث العلمى في بر المحروسة ليستوجب منا وقفة، بعدما أثير الأمر على لسان عدد من المسئولين بل ووصوله إلى مجلس النواب. حيث جاءت التصريحات وعلى فترات متباعدة لتدق ناقوس الخطر حيال هذه الظاهرة، التى قد يؤدى تناميها إلى إفتقاد مؤسساتنا العلمية والبحثية لمصداقيتها. ولعل ما تعج به وسائل الإعلام من أخبار حيال بعض العابثين بقدسية البحث العلمى إنما تعكس خطورة المشهد، وتستنهض المعنيين بالأمر ليقولوا كلمة أخيرة تحفظ على البحث العلمى تحديدًا رونقه وجلاله. فالمعروف أن الأمم لا تتقدم إلا بالبحث العلمى ولعل أزمة كورونا الحالية لتؤكد على مقولة مصطفى محمود التى كان يستشرف بها ما وصلنا إليه، حيث إنقسام العالم إلى كتلة تبحث عن مخرج من خلال تقدمها العلمى وأخرى تنتظر ما قد تجود به عليها الكتلة الأولى بعدما إعتادت أن تقتات من جهد الآخرين أو تنحى التقدم العلمى من قائمة أولوياتها.
و الواقع فإن وسائل الكشف الحديثة عن (البليجياريزم) أى الإنتحال العلمى من شأنها أن تحد كثيرًا من تعاظم الظاهرة بعدما إتسعت مساحة الإنتحال لدى البعض، حيث إتجهت العقلية التبريرية إلى فتح مجال الإنتحال بمفهوم الإقتباس. وشتان بين الأخير الذى يشار فيه للأصل من خلال التوثيق المرجعى وبين الإنتحال الذى يطمس حق صاحبه الأصلى لحساب محترفى السطو العلمى، الذين باتت لديهم حالات (إبداعية) من نوع خاص يشى استخدامها وكأنها من عندياتهم. وهو ما يؤدى مع تباعد المسافات الزمنية والمكانية إلى تغيير هوية مبدع العمل الأصلى وترسيخ إسم المنتحل حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.
و الواقع فإنه إذا كانت مغريات السطو العلمى قد باتت متاحة بيسر كمًا وكيفًا فأحسب أن المسئولية المؤسسية والمجتمعية تقتضى الأخذ بشدة على يد كل منتحل، حتى لو إنتقل بالأمر للإحتكام خارج المؤسسة العلمية إستنادًا على الجوانب الإجرائية التى قد ترفع عنه العقوبة المؤسسية فيخال للبعض براءة هو عنها ببعيد. وهنا يأتى الدور المجتمعى في الحفاظ على شرف المهنة وذلك بالعزل المعنوى للمعتدى على حق الغير وعدم مساواته بأقرانه من ذوى الإبداع الأصيل، الأمر الذى سيؤدى دونما شك إلى تقليص الظاهرة وتمثل مفهوم الملكية الفكرية بالحماية والتشجيع لكل إبداع أصيل من شأنه رفعة المجتمع وليس إستنساخ جهد الغير بإعادة إنتاج العجلة من جديد.