الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ليلة عيد.. الليلة ليلة عيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فزعت فزعًا شديدًا عندما حاولت تهنئة طلابي بقرب قدوم عيد “,”شم النسيم“,”، إذ وقفت طالبة معلنة رفضها الاحتفال بهذا العيد، زاعمةً أن الشيخ قال لها إنه عيد يهودي! فسألتها باندهاش شديد كيف ذلك؟ فقالت لي إنه عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خرج اليهود فرحين قائلين الآن نشم النسيم!
لا أدري كيف اندفعت غاضبًا مرددًا ضرورة الرجوع إلى التاريخ وعدم قبول أي مقولات لتزييف التاريخ. ونصحت الطالبة بالرجوع إلى بعض المراجع في المكتبة، وللحق عادت الطالبة بعد ذلك لتعترف أمام زملائها أنها كانت مخطئة، وأن شم النسيم عيد مصري قومي يحتفل به المصريون جميعًا من مئات السنين، وربما الآلاف.
أخذت أتأمل في مغزى هذه الواقعة وكيف تم تضليل الوعي القومي لهؤلاء الشباب باسم الدين، والدين براءٌ من ذلك. وأدركت أهمية التعليم وأيضًا المناخ الاجتماعي في الحفاظ على هوية الأمة.
ورجعت إلى أيام طفولتي في حي شبرا الهادئ آنذاك، هذا الحي الذي سطر بحق صفحات بيضاء في سجل الوحدة الوطنية، وأصبح رمزًا على التسامح والتعايش بين الجميع مسلمين ومسيحيين، مصريين وأجانب، فلاحين وصعايدة.
كان أسبوع الأعياد أو “,”أسبوع الآلام“,” الذي ينتهي بشم النسيم من أهم اللحظات الحميمة في شبرا. في أحد السعف نلعب جميعًا بسعف النخيل، ونصنع منه أشكالاً مختلفة؛ خواتم ومراوح وورود ونلهو بها، السعف من الأشياء المقدسة عند المصري القديم وعند القبطي وحتى عند المسلم، كنا كمسلمين نطلع إلى المقابر بالسعف والورود ونقول إن هذا يعطي الحياة لروح الميت!
وفي يوم الأربعاء أو كما نسميه “,”أربع أيوب“,”، نسبةً إلى سيدنا أيوب، يأتي البائع مناديًا على (رع رع أيوب)، وهو نبات يتم نقعه في المياه ليلاً ليتم الاستحمام به في الصباح اعتقادًا أنه يشفي من الأمراض كما شُفيَّ سيدنا أيوب من بلاء المرض. والمثير أن المسيحيين والمسلمين كانوا معًا يمارسون نفس الطقس دون تفرقة، أليس أيوب لنا جميعًا؟! والمرض ابتلاء لا يعرف التفرقة بين المسيحي والمسلم!
وفي سبت النور كانت أمهاتنا جميعًا يضعن في أعيننا “,”الكحل“,” تيمنًا بأن هذا يحفظ للأطفال قوة البصر وجمال العين.
وفي عيد القيامة كان أبي يصحبني لزيارة منزل عم فرانك جرجس لتهنئته بالعيد، وكم كانت سعادتي بذلك إذ سوف التهم قطعة جاتو مع فنجان شاي وألعب مع أبنائه.
وفي شم النسيم تتصاعد من المنازل روائح البصل والفسيخ والسردين والملوحة التي تم شراؤها من أشهر محل لذلك في شبرا (فسخاني الهلوتي). هذا فضلاً على التهام الخس والملانة، وتلوين البيض من خلال سلقه مع أوراق البصل لتعطيه ألوانا طبيعية. وأحيانًا نذهب جميعًا ـ عائلات مسلمة ومسيحية ـ في رحلة نيلية من ساحل شبرا إلى حدائق القناطر الخيرية، حيث البهجة على وجوه الجميع.
ما بال زماننا يكاد يُنسينا مصر الجميلة التي عشنا فيها؟! هل ترجع مصر إلى مسارها التاريخي الذي عرفته منذ فجر الضمير؟ هل سنفرح جميعًا بأعيادنا دون تفرقة دينية؟ هل سنحتفل جميعًا بمصريتنا أم سأغني مع فيروز حنينًا إلى الماضي الجميل:
“,”طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان
بدي أرجع بنت صغيرة على سطح الجيران
وينساني الزمان على سطح الجيران“,”