بعيدًا عن مقولة أن العالم سيصبح بعد كورونا غير ما كان من قبله، وهذا صحيح في مجمله، ولكن لا بد أن نعي أن المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..الخ، لا تكون بين لحظة واخرى ولكنها دائما، وخاصة الأستراتيجية منها، تكون تغيرات حسب نظرية التراكم،وهذا يعني أن يكون هناك أسباب للتغيير سواء في الأطار السلبي أو الايجابي وتتراكم هذه الاسباب خاصة لو لم يتم مواجهة السلبية منها وتقليل اضرارها أو تعزيز الاسباب الأيجابية لتعزيز الايجابيات.
وهنا وفي ظل الظروف الكورونية الغير مسبوقة سيكون هناك متغيرات دراماتيكية وإستراتيجية، بدأ عدها التنازلي في كل أرجاء العالم،وبالطبع ستكون النتائج بسلبياتها وايجابياتها حسب ظروف وأمكانات كل دولة وقدرتها على مواجهة هذه المتغيرات والاستعداد لهذه المواجهة،ولو تحدثنا في الجانب الاقتصادي وهو الاهم والذي بدأت نتائجه تظهر ومنذ البداية بصورة مفزعة على الجميع،الدول الغنية قبل الفقيرة، بلا استثناء.
ونُذكر بأن مديرة صندوق النقد الدولي قد حذرت بأن هذه الازمة لا مثيل لها منذ الكساد الكبير في عام 1929، كما حذرت منظمة العمل الدولية من فقدان نحو 25 مليون وظيفة أذا لم يتم السيطرة على الفيروس،ولذا كان عدد المتقدمين للحصول على اعانة بطالة في أمريكا 6،65 مليون حتى الاسبوع الماضي فقط،وهذا المُعدل حدث في اغلب دول أوروبا وأسيا التي عانت بشدة من نتائج الفيروس الاقتصادية، فما هو الوضع في مصر ؟ وهذا يجب ان يكون موضع اهتمام الجميع حيث أننا في موقف وطني جامع بأمتياز بعيدًا عن وجهات النظر السياسية المؤيدة والمعارضة. نحن نعلم أن الاقتصاد المصري كان يعاني الكثير نظرًا لتراكم مشكلات اقتصادية لم تواجه بحلول اقتصادية علمية ولكن خضعت الأمور لمسكنات شعبوية إلى ان كان الاصلاح الاقتصادي الذي دفع فاتورته وتجرع دواءه المر الطبقات المتوسطة والفقيرة، فقبل أن تداهمنا جائحة كورونا كانت أرقام مشروع الموازنة لعام 20/21 تقول في مجملها أن جملة المصروفات ستكون بليون وسبعمائة وعشرة مليار جنيه في مقابل جملة ايرادات بليون وثلاثمائة مليار جنيه أي بعجز يصل إلى 410 مليار جنيه،وهذا كان في إطار الوضع الطبيعي الذي يعطي فيه الاصلاح الاقتصادي نتائجه المرجوة، فما وضع الايرادات الآن ؟ خاصةً أنها تتضمن أبواب ومصادر محدودة وهى عائدات العاملين بالخارج والسياحة وقناة السويس والضرائب، اي ان هذه المصادر الأساسية للموازنة ريعية تخضع لعوامل خارجية،ونظرًا للخلل الاقتصادي الذي حدث نتيجة لتوقف العمل وآليات الإنتاج في العالم كله مما نتج عنه نزول سعر البترول لأقل من النصف وضعف مبيعاته لتوقف وسائل الإنتاج،الشيء الذي سيؤثر على التجارة الخارجية وعلى حركة النقل الدولية مما يضعف العائد من قناة السويس،وتوقف الإنتاج وغلق الدول ومنع السفر يعني توقف حركة السياحة العالمية الشيء الذي جعل العائد من السياحة يمكن أن يصل إلى صفر، أما عائدات العاملين في الخارج فالمصريين في الخارج نظرًا للظروف الحالية أصبحوا في حالة احتياج مادي لتوقف العمل وعدم صرف مرتبات، إضافة لحالة الغربة والاغتراب التي يعيشونها الآن بعيدًا عن الوطن والاهل،ونصل إلى الضرائب وهى المصدر الداخلي الذي يعتمد على قدرة الإنتاج المصري وتداوله وتسويقه داخليًا وخارجيًا،ومن مصادرها الجمارك وهى توقفت لتوقف الاستيراد والتصدير،ومصادر الضرائب االتجارية والقيمة المضافة ستتأثر بتوقف حركة السوق نتيجة لغلق المحلات التجارية، أذن ستكون ازمة الموازنة هى الانخفاض الخطير للايرادات مما يجعل المصروفات والامر برمته يحتاج إلى إعادة نظر في الموازنة كلها كي نحاول مواجهة القادم الاقتصادي بتقليص المصروفات لأقصى حد وزيادة الإنتاج للاكتفاء المحلي حتى لا نستورد، خاصةً أنه تم صرف خمسة مليار دولار من احتياطي النقدي الاجنبي.
الموقف استثنائي وعلى الجميع أن يدفع الثمن القيادة قبل الشعب والقادر قبل الغير قادر، وبهمة المصريين يمكن أن نجتاز المرحلة في أطار اللحاق بقطار التقدم الرقمي وتغيير الثقافة والاستعداد لدخول عالم جديد يعتمد على العلم والعقل والإنتاج. حفظ الله مصر وشعبها الصابر.