يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير. ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا – دائمًا – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق...
الواقع – الآن – في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
أوروبا تتجاهل خلافاتها وتدعم رجلها الضعيف لمنع قيام الدولة العربية الكبرى.
بعد فشل تركيا وأوروبا التفرقة بين والى مصر وقائد جيشها لجأت تركيا إلى تقبيل أعتاب الممالك الأوروبية والإمبراطوريات من أجل الحفاظ على وحدتها ومشاركة أوروبا لتركيا في صد زحف الجيش المصرى الذى لم ينهزم في معركة واحدة منذ أن خرج على بوارجه من الاسكندرية بحرا وفرسانه تمطى صهوة جيادها برا من القدس حتى أدنة مرورا بولايات الشام كلها إلى أن بقيت له معركة واحدة يحقق بها الإمبراطورية المصرية الكبرى من جبال طرطوس شمالا وشرقا حتى العراق إلى الحجاز في آسيا القارة الكبرى جنوبا وخط الإستواء في القارة السمراء أفريقيا وغربا حتى ليبيا، تلك الإمبراطورية التى كانت تقف كصخرة تلطم بها أحلام الغرب الاستعمارية لكنوز الشرق وموارده، لذا كان هدفهم الابقاء على تركيا التى تدعى بالحكم الدينى زيفا وبهتانا لتبقى ولايات العرب والشرق ضعيفة ولقمة لينة متى سنحت الفرصة لاقتسامها فيما بينهم، وفى نظير ذلك عليهم تدعيم تركيا أو ما اتفق على تسميته رجل أوروبا الضعيف كما عليهم اتباع نظرية تحالف الأعداء ونسيان أحقادهم فيما بينهم للتصدى أمام الخطر الأكبر عليهم وهو الجيش المصرى الذى يحمل فوق سحابة باروده الحلم المصرى بالإمبراطورية الكبرى، وهى التى كانت شبيهة بالإمبراطورية المصرية التى كونها الجيش المصرى في عهد تحتمس الثالث من منابع النيل جنوبا حتى مصب الفرات شرقا – سيأتى الحديث عنها لاحقا -.
وأمام التهديد المصرى لجأ السلطان محمود إلى روسيا لتدعمه بخمسة آلاف مقاتل يحمون العاصمة الآستانة لكن تكتيكيا على أن يلزم وصول هؤلاء الجند الروس شهرا كاملا قد يزيد ولا ينقص، ولكن فرصتى الزمن والمسافة في صالح القوات المصرية فليس أمامها سوى أيام عشر لإسقاط السلطان التركى والاستيلاء على عاصمة الخلافة المزعومة، فاستشار السلطان محمود السفراء الأوروبيين لديه، واجتمع ريس أفندى مبعوث السلطان التركى مع السفير الروسى المسيو بونتيف الذى قال:» إن من الصعب على الأجنبى بذل النصيحة، فالوزراء الترك هم يعرفون ما لديهم من القوة للمقاومة، أما الامدادات الروسية فانها تصل متأخرة"، وذهب السفير بونتيف مع جنراله مورافيف إلى خسرو باشا السر عسكر التركى الذى تظاهر بالقوة، وأعلن رغبته وثقته في مواصلة الحرب على مصر، وإنه يمكنه جمع ٢٥ ألف عسكرى ضد الجنود المصريين، وسأل السلطان التركى سفير فرنسا فقال الأخير:» إن إعطاء محمد على سوريا وأدنة أخف شرا من دخول الروس الآستانة» وبالطبع كانت نصيحته ضد الهوى الاستعمارى الروسى مقابل دعم فرنسا لتركيا لاحقا في تعديل أوضاعها ضد مصر عسكريا، ولم يختلف رأى السفير الإنجليزي عن حليفه الفرنسى الذى رد على السلطان محمود:» إنه لا يستطيع أن يبدى رأيا رسميا – دون مشاورة حكومته – لكن إذا كانت لدى الباب العالى قوة للمقاومة فلا ينصحه بالتسليم، وإلا فالأفضل اختيار أهون الشرين: وأهونهما إعطاء محمد على طلباته» وهنا تنازل السلطان التركى عن صلفه وايد زيادة محمد على في حلب ودمشق لكن دون أدنة وأيده في ذلك كلا السفيرين الفرنسى والإنجليزي، وربما أن تلك التضحية التركية لاقت استحسان إنجلترا وفرنسا لضمانهما عدم التدخل الروسى، من جانب آخر وافقت روسيا على التنازل التركى عن الشام كلها لمصر دون ولاية أدنة حفاظا على هيبتها من التورط في حرب ضد الجيش المصرى الذى لا يهزم مساندة لدولة تركيا التى تعتبر بلا جيش يذكر بعد هزائمه الثلاثة أمام الجنود المصريين، ومن بعيد كانت النمسا ومعها بروسيا توافقان على انتظار النتائج دون تدخل، وبالفعل توجه المسيو فارين مندوب فرنسا بصحبة رشيد بك مندوب تركيا إلى كوتاهية للاتفاق مع قائد الجيش المصرى على إعطاء مصر الشام كلها دون أدنة اتفاقا مكتوبا من الاميرال روسين والمستر ماندفيل، وأرسلت فرنسا إلى مصر المسيو بوالكت مندوبا عن خارجيتها ليتفاوض مع والى مصر للجلاء عن الأناضول، واتخذت أوروبا كل إمكاناتها الدبلوماسية وقدراتها العسكرية البحرية في سبيل تحقيق هدفها وهو تقويض تقدم الجيش المصرى والحيلولة دون مواصلة بناء الدولة العربية الكبرى بزعامة مصر، وفى التالى إن شاء الله سنوالى استعراضا لضغط أوروبا عسكريا على مصر دعما لتركيا.