السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أخلاقيات إجراء التجارب على الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 نَّ موضوعَ إجراءِ التجاربِ على الإنسانِ هو أحدُ موضوعاتِ فلسفةِ الطب المهمة، إذ إنه يتعلقُ بمنهجِ البحثِ فى مجالِ الطب، ومناقشةِ المسلمات التى يبدأ منها علمُ الطب، وقد ظهرتِ اليوم- على أوضحِ ما يكون- أهميةُ إجراءِ التجاربِ على الإنسان، بسببِ اجتياحِ فيروسُ كورونا لكل بِقَاعِ الأرض، وحصْدِه لآلاف الأرواح، وبروزِ الحاجةِ المُلحَّة للتوصل لمصْلٍ ودواءٍ ضدَّ هذا الفيروس الفتَّاك، مما استدعى إجراءَ تجاربٍ للتوصل لذلك، من أجلِ محاصرةِ انتشار المرض، أو القضاء عليه. لذا يقومُ العلماءُ فى مجالِ الطب بالتجريب على الإنسانِ للتحققِ من صلاحيةِ بعض الأدويةِ والأمصالِ وفعاليتها، التى سبقَ اختبارُها فى المعامل وعلى حيواناتِ التجارب، يقومون بتجريبها على الإنسان للتحققِ بشكلٍ نهائى من صلاحيتها وفعاليتها. ولا يتمُّ قبول أو تبرير أى مخاطرَ تنتجُ عن التجريب إلا من أجل مصلحة الأشخاص الذين تُجْرَى عليهم التجارب، هذا فضلًا عن إثراءِ المعرفة البشرية فى مجال الطب بالعمل على تقليل معاناة المرضى وإطالة أعمارهم، وليس من أجلِ أى مصلحةٍ شخصيةٍ للباحث ِأو للمعهد البحثى. ومن الضرورى أنْ يستوفيَ البحث المتطلبات التالية:

١- أن يكون ضروريًا للوصول إلى هدفٍ مهمٍ يخصُ مصلحةَ المجتمع.

٢- ألا تكون هناك وسيلة للحصول على المعلومات المتوقعةِ عن غير طريق إجراء البحث.

٣- تفوق ما يتوقع من فوائد منظورة للأشخاص الذين تُجْرَى عليهم التجربةُ على أى إخطار يحتمل أن تصيبَهم، مع اعتبار ألا تكون هذه الإخطار جسيمة.

٤- أن يتولى الدراسة باحثون مؤهلون، وأن يكون بروتوكول الدراسة صحيحًا من الناحية العلمية.

إننا نتفق بشكلٍ عام حول أهمية وقيمة السيطرة على الأمراض والأوبئة والتخلص منها. ولكن التقدمَ فى هذا المجال يعتمد أساسًا على البحوث والتجارب التى يجب أن تُجْرَى سواء على الحيوان أو الإنسان. أما بالنسبة للحيوان، فإنَّ استخدامه فى التجارب ما زالَ مستمرًا رُغْمَ اعتراض جمعياتِ الرِّفق بالحيوان. ولكنَّ المشكلةَ الحقيقية تكمنُ فى إجراء التجارب على الإنسان، لأننا حين نُخْضِع الإنسان للتجريب، نكون قد نظرنا إليه بوصفه آلةً لا حياة فيها، أو أنَّ حياته رخيصةٌ يمكنُ التضحية بها فى سبيل تقدم الطب. ويجدُ علماءُ الطب فى هذا الموقف حيْرةً ومأزقًا، فمنْ جهةٍ؛ نحن حريصون على تقدم الطب، ولن نتقدم إلا بالتجريب على الإنسان الحى، لكن من جهةٍ أخرى فإنَّ هذا التقدمَ والتجريب يُعَرّض حياةَ بعضِ الناس للخطر، هل نضحى بحياة بعض الناس فى سبيل تقدم علم الطب أم نضحى بتقدم الطب فى سبيل الحفاظ على قدسية حياة البشر؟

قبل القرن العشرين، نادرًا ما أجرى الباحثون فى العلوم الطبية تجاربَ على البشر؛ وذلك بسبب تعهدهم بقسَم أبقراط الذى أكَّد عدم إيذاء الإنسان، بل وتكريمه- ولم يتغير الموقف من إجراء التجارب على البشر تغيرًا ذا بال حتى مجيء القرن العشرين، ولاسيما عندما اختبر الباحثون أدويةً جديدةً على البشر؛ مثل عقار السلفا، والفاسكين للملاريا. وفى أربعينيات القرن العشرين أسهم كثيرٌ منَ النَّاس فى التجارب على الرغم من عدم وجود إرشاداتٍ أخلاقيةٍ مقبولةٍ بشكلٍ عام للبحث فى الكائنات البشرية. والواقعُ أنَّ تلكَ الفترةِ منَ التجريب على البشر غير المنتظم قد انتهت بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان هناك من يرفض إجراء التجارب على الإنسان، لذلك ظهرت مواقف ازدادت تصلبًا تجاه إجراء مثل هذه التجارب، ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية حين تمَّ فضح مساوئ مثل هذه التجارب فى محاكمات نورمبرج Nuremberg عام ١٩٤٧. كردِ فعلٍ ضدَّ التجاربِ التى أجرتها ألمانيا النازية على المعتقلين فى ذلك الوقت. وأدَّى ذلك إلى قيام الدول الأوروبية بوضع معاهدة تهدف إلى فرض قيودٍ على مثلِ هذه التجارب، تحتَ اسم معاهدة نورمبرج (١٩٤٩)، وتُعَـد هذه المعاهدة إعلانًا دوليًا، وما زالت تلعبُ دورًا حيويًا فى تنظيم عملية إجراء التجارب على البشر. وقد نص البند الأول منها على ما يلى:

«لابدَّ أنْ يكونَ قبولُ الإنسانِ لإجراء التجارب عليه قبولًا طوعيًا بشكلٍ أساسى وعلى نحوٍ واضحٍ تمامًا. وهذا معناه أنْ تكون لدى ذلك الشخص مقدرة قانونية على الموافقة، وأن يكون فى وضعٍ يسمحُ له بالاختيار الحر دون أى ضغوطٍ أو اعتراضات من أى سلطة أيًا كانت، وألا تمارس عليه أساليبُ احتيالٍ أو غش، أو إكراه، أو تضليل، أو أى صورة من صورِ الإرغامِ المستتر أو القهر. كما ينبغى أن تتوافر لديه معرفة كافية وواضحة بطبيعة موضوع التجربة التى تُجْرَى عليه لكى يتمكن من اتخاذ قرار واضح. إن هذا العنصر الأخيرَ يتطلب قبل اتخاذ قرار إيجابى من جانب الشخص الذى سيخضع للتجربة إحاطته علمًا بطبيعة التجربة ومدةِ استمرارها والغرضِ منها والطرق والوسائل التى ستتبع فى إجرائها. كما يجب أن يحاط َعلمًا بأى أضرار أو مخاطر وآثار صحية تؤثر عليه أو على أى شخص قد يكون مشتركًا معه فى هذه التجربة».

إذا كانت موافقةُ الشخصِ على التطوع لإجراءِ اختباراتٍ عليه لها شروط؛ مثل تمتعه بالقدرة على الاستيعاب، وعدم تعرضه للضغط من أجل التطوع، واطلاعه على معلوماتٍ كافيةٍ عن التجربة، وفهمه لهذه المعلومات بحيث يكون اختياره قائمًا على معرفة؛ فماذا عن الأشخاص الذين لا تتوافر لديهم الإمكانية الاستيعابية أو حرية الاختيار؟ قد يكون من الضرورى أحيانًا أن يُجْرَى البحث أو التجربة على أناس لا يمكنها إعطاء موافقة صريحة؛ مثل الأطفال أو البالغين الفاقدين للوعى. العلماء يحتاجون إلى إجراء تجارب على الأطفال لأنَّ تأثير الأمراض وأشكال العلاج فى الأطفال مختلفٌ عن تأثيرها فى البالغين، ولأنه من الأهمية بمكان جمع معلومات خاصة بنفسية ونمو الطفل. وعندما يُسْهِم الطفلُ فى البحث، فإنَّ والديه أو الأوصياء عليه يمكن أن يعطوا موافقة تفويضية. ومع ذلك، عندما يقوم الناس باتخاذ قرارات تفويضية عن أفراد، فعليهم واجب هو تحقيق أقصى مصلحة لهؤلاء الأفراد، ولن تكون أقصى مصلحة لأى فرد إطلاقًا أن ندفع بهم للمشاركة فى تجربة، فأية أم حرة فى تعريض نفسها للخطر، لكن يجب عليها ألا تجعل طفلها معرضًا لمخاطر غير مبررة. لكن ما الذى يجعل المخاطر غير مبررة؟ من المعلوم لدينا أن هناك كثيرًا من الأنشطة الطفولية مثل ركوب الدراجة أو السباحة تعرض الطفل للمخاطر. ويمكن أن يحاجّ أحد بأن المخاطر مبررة إذا لم تكن عالية، مقارنة بأنشطة طفولية أخرى عادية، أو إذا كان النفع منها أعظم من الضرر. مثلًا، تجريب عقار لعلاج سرطان الدم قد يدفع الأذى عن الطفل، ودراسة الذاكرة فى الأطفال قد لا تكون أكثر مخاطرة من الأنشطة الطفولية الأخرى. إنَّ أخلاقيات التجريب تأخذُ فى الاعتبار فى مثل هذه الحالات التأكد من توفير المزيد من الحماية لهؤلاء الأشخاص عن طريق لجان المراجعة، أو أقارب مسئولين عن الشخص المعرض للاختبار.