الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا وقبول الآخر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا نقصد بقبول الآخر،الآخر الدينى فقط ولكن الآخر هو كل شخص آخر خارج ذات الإنسان، فالآخر هو الآخر الدينى والسياسى والاقتصادى والاجتماعي والطبقى والقبلى والمناطقى والجهوي، بل الآخر قريبك وصديقك وجارك بل وأخوك، ولا نبالغ لو قلنا إن الآخر أحيانا يكون أنت وذلك في حالة الصراع النفسى حول قضية مؤرقة ومقلقة وتحتار أن تتخذ فيها قرارا، وقبول الآخر ورفضه دائمًا ما يُبرر بمبررات واهية وخيالية بل أحيانًا تكون مختلقة، وكل هذا يدور حول الذات وحب الذات الذى هو طبيعى ومشروع، ولكن هنا لا بد أن نفرق بين حب الذات الطبيعى الذى يرتبط بالإنسان وجودًا وطموحًا ونجاحًا وبين حب الذات المريض النرجسى الذى لا يرى غير ذاته ولا يعشق غير نفسه ولا يحب أن يترك الفرصة للآخر للنجاح مثله، وهذه هى الحالة المرضية التى تُصيب الفرد والأهم أنها أيضًا تصيب الجماعة، فنرى الصراعات الدينية التى تتخذ من الدين مبررًا أو تكة لرفض الآخر، مع العلم أن الدين، كل دين، مقاصده العليا ومبادئه السامية في أن يقبل الآخر برغم الاختلاف، فالاختلاف هو إرادة الله في هذا الخلق وذاك الكون، فهناك رجل وامرأة، صباح ومساء، عدل وظلم، شمس وقمر، نور وظلام..الخ. فاختلاف الأديان إرادة إلهية «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» ولكن هذه التعددية الدينية لا تعنى صراعًا وقتالًا بل تعنى خلافًا وحوارًا ومعايشة، وعلى هذه الأرضية التى تستغل الدين استغلالًا خاطئًا لأمور ذاتية وكنوع من التمايز الدينى والاجتماعي نرى أن تلك الممارسات تنتقل إلى سائر مناحى الحياة، فرفض الآخر السياسى بالتمترس حول أيديولوجيا معينة وكأنها هى الحق المطلق دون سواها، وهكذا في باقى المناحى الحياتية. هنا فماذا حدث عندما أصيب العالم بفيروس كورونا؟ نسى العالم ونسى الإنسان نفسه وتصور أنه هو مركز الكون وهو الأهم والأصلح والأعلم، وذلك اعتمادًا على مبررات يملكها كل البشر، ففى الإطار الدينى وجدنا أصحاب كل دين يعلنون أن هذا الفيروس لن يصيبه لأنه متدين ولكنه سيصيب الآخرين من كل الأديان وكل الملل، فقال بعض المسيحيين إنهم أبناء الله ولا يصيبهم هذا الكورونا لأنهم يتناولون جسد المسيح ودمه ولا ينقل لهم المرض حتى من خلال الملعقة التى يتم تداولها من فم إلى فم بين من يتناول، بل رفضوا أى طريقة أخرى للتناول كانت موجودة في الكنيسة، ووجدنا بعض المسلمين السلفيين والمتاجرين بالدين يعتبرون أن هذا المرض لن يصيب المسلم المؤمن، بل تم رفض غلق المساجد باعتبار أن الصلاة في المساجد تمنع المرض من أن يأتى إلى من يصلى بالمسجد، وجدنا كليهما يعترض على غلق الكنائس والمساجد وكأن الله سيقبل صلاة المؤمن في المسجد والكنيسة ولا يقبلها منهم في منازلهم، متناسين أن الله في كل مكان في السماوات والأرض،. هذه السلوكيات لا شك أنها تظهر عدم قبول الآخر بل قل إن كل طرف يتصور أو يتمنى ألا يصيبه المرض ولا مانع من أن يزور الآخر، وفى الإطار السياسى السخيف وجدنا الحديث عن المؤامرة، أمريكا تقول إن كورونا صناعة صينية ولكن فلت منها الزمام فأصيبت به الصين، والصين تقول إنه صناعة أمريكية في إطار الصراع الاقتصادى والسياسى بين كل منهم وعن طريق ما يسمى بالحروب البيولوجية، والأغنياء والقادرون تخيلوا أنهم بأموالهم قادرين على المحاصرة أو قادرون على العلاج في أفخم المستشفيات، فالجميع استهانوا بالأمر والجميع أراح نفسه وتصور أنه خارج نطاق المحاصرة، حتى كان كورونا وكانت إرادة الله العليا بأن يكون هذا الفيروس اختبارا جديدا للبشرية بأسرها، فلا متدين وآخر ولا غنى أو فقير ولا قوى أو ضعيف، الكل سواء أمام الفيروس.
تصور ترامب في لحظة من لحظات الغرور الدائم والكذب المباح أن أمريكا خارج لعبة المرض وأخذ يعاير الآخر حتى وجدنا أمريكا، أكبر قوى في العالم وأغنى دول العالم، تعوم ولاياتها بمرض كورونا حتى أن ترامب أعلن الطوارئ العامة في عموم الولايات المتحدة، بل وجدنا أمريكا تعلن عن نقص في بعض المستلزمات الطبية لمواجهة الخطر.. سبحان الله!! وشاهدنا إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا وفرنسا في حالة ذعر وخوف وشلل، في الوقت الذى لم نسمع فيه عن وجود كورونا في بعض الدول الفقيرة وغير المتقدمة مثل أمريكا اللاتينية وبعض دول أفريقيا، وفى الصين «غير الديمقراطية والكافرة والمنغلقة» والتى قيل إن كورونا سيكون هو نهاية تقدمها وسيوقف مسيرتها، وجدناها تحاصر المرض بطريقة إعجازية!!.
هنا نقول إن الاختلاف سُنة الحياة ولا أحد بعيد عن المرض أو محمى من الكوارث، كلنا معرضون لأى شيء، فهل هذه التجربة التى نتمنى أن يزيلها الله عن العالم كله يمكن أن تكون درسًا للجميع حتى نقبل بعضنا بعضًا بالرغم من الاختلاف؟ لنتعلم ونستفيد من هذه التجربة وما بعدها، والذى سيكون غير ما قبلها، خاصةً في النتائج الاقتصادية الكارثية والتى ستستمر سنوات عدة يعانى منها الجميع بلا استثناء، إضافة إلى التسابق الموجود الآن لاكتشاف مصل واق لهذا الوباء، وهذا يدل على أن الأمر وحتى الآن يعتمد على الصراع الدائم. فليكن تسابقًا نحو الخير وتسخير العلم والأبحاث لصالح البشرية وليس صراعًا شريرًا يكرس أنانية الذات ولا يؤكد قبول الآخر الإنسان لأخيه الإنسان حتى يظل الكون عامرًا.