بعد أن تحولت جائحة فيروس كورونا المستجد إلى أزمة دولية، وبعد أن تم تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات في بلدان كثيرة ومنها مصر، ووقف الرحلات الجوية، وتوقف حركة السياحة الدولية، وحدوث خسائر اقتصادية هائلة، وتوقعات بحدوث ركود في الاقتصاد العالمي، إذا ما صارت الأمور في نفس الاتجاه حتى النصف الثانى من هذا العام. يبقى السؤال: هل من الممكن أن نقلل من الآثار الجانبية أو أن نستفيد من هذه الأزمة؟
جائحة كورونا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في حرب الإنسان ضد الميكروبات. ولقد نجح الإنسان في اكتشاف العلاج الفعال للعديد من الميكروبات الفتاكة مثل الكوليرا والطاعون والجدرى وشلل الأطفال، وحديثا، تم اكتشاف علاج للفيروس المسبب للالتهاب الوبائى الكبدى «سى». وكانت الحاجة إلى اكتشاف أدوية ومستلزمات أثناء الحروب، السبب في عدة اكتشافات مهمة، أدت إلى تطوير الممارسة الطبية. وعلى سبيل المثال فقد تم خلال الحرب العالمية الأولى استخدام نقل الدم في ميدان المعركة، وعربات الإسعاف لنقل الجرحى، وكذلك استخدام العلاج الكيماوى لعلاج السرطان. وخلال الحرب العالمية الثانية، تم استخدام مركبات السلفا والبنسلين لعلاج البكتيريا على نطاق واسع، وكذلك تم تثبيت الكسور في حوامل معدنية. وخلال الحرب الفيتنامية الأمريكية، تم استخدام منتجات الدم المجمدة لأول مرة، وكذلك حدث تطور في علاج الحروق، واستخدام المحاليل ووضع أسس جراحات التجميل والتكميل.
ولقد أثبتت الجائحة التى يمر بها العالم اليوم، أن أي من الدول، مهما بلغت درجة غناها وتقدمها، لا يمكن أن تعيش في معزل عن الدول الأخرى، بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة. إن تفشى مرض معد في أصغر بلد على ظهر الكرة الأرضية، كفيل بإحداث آثار كارثية على كل دول العالم. وربما تكون الجائحة الحالية فرصة لبعض المجتمعات للتخلى عن غطرستها وتجبرها، وربما تكون فرصة لكى تعيد ترتيب أولوياتها، وأن تخصص جزءًا من دخلها، ومن مخصصات التسليح لمحاربة الفقر وتعظيم التعاون في تطوير البحث العلمي. لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن هناك حاجة ماسة لبدء تعاون وثيق بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وتوحيد الأهداف وتخصيص الأموال لإجراء الأبحاث المشتركة، لخدمة التنمية المستدامة ومحاربة الفقر والوقاية من الأمراض على الصعيد الدولي.
وعلى المستوى المحلى داخل مصر، فهناك العديد من المجالات التى يمكن أن تساعد الأزمة الحالية في إحداث نقلة نوعية في تناولها، ونذكر منها على سبيل المثال، مجالات التعليم والصحة والبيئة وبعض سلوكيات المصريين.
١- التعليم
اتجه العالم إلى التعليم الإلكترونى والتعليم عن بعد في العديد من التخصصات، خاصة التخصصات النظرية والعلوم الإنسانية. ولم يعد مقبولًا تكدس عدة آلاف من الطلاب في محاضرات نظرية. وتحرك وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى لإعداد المحاضرات وبثها للطلاب على المواقع الإلكترونية ومحطات التليفزيون، ربما يكون البداية لمواكبة التطور الحادث في التعليم في العالم. فيمكن للطلاب التواصل عن بعد باستخدام التكنولوجيا، ويمكن كذلك إجراء الامتحانات الإلكترونية من أى مكان، ولذا فلن يكون هناك حاجة لحضور أعداد كبيرة من الطلاب إلى أماكن التدريس والامتحانات في المدارس والجامعات، وهو ما تمتلك مصر المقومات للتوسع فيه.
٢- الصحة
قامت وزارتا الصحة والتعليم العالي، بمجهودات مشكورة في مجال مكافحة العدوى خلال الأزمة الحالية. وقامت المستشفيات بفرض تطبيق إجراءات مكافحة العدوى، وبات ظاهرا استجابة الأطقم الطبية والتمريض وكل العاملين والمرضى وحتى الزوار، مع الإجراءات التى اتخذتها المستشفيات. وربما لأول مرة نشاهد، وعلى نطاق واسع، ارتداء غطاء الأنف والفم (الماسكات)، والقفازات، والنظارات الحامية وكذلك الملابس الواقية للعاملين في المستشفيات. وكذلك رأينا غسل وتعقيم الأقسام الداخلية بالماء والصابون، واستخدام الكحول ومضادات البكتيريا والفيروسات بعد كل فحص للمريض. لقد تجاوب المواطنون مع الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها المستشفيات، وقلت أعداد المترددين على العيادات الخارجية، والتزم الجميع بغسل الأيدى وتجنب الزحام واتباع إرشادات مكافحة العدوى، وهى أمور محمودة يجب الحفاظ عليها.
٣- البيئة
برغم الظروف المناخية التى تعرضت لها مصر أيام الخميس والجمعه ١٣-١٤ مارس، وهطول أمطار غزيرة على معظم أنحاء الجمهورية، فقد لوحظ الاهتمام المتزايد بنظافة البيئة والتخلص من النفايات في الشوارع. وقامت المحليات بتنظيف ورش الشوارع والأبنية وأماكن تجميع القمامة بالمبيدات والمطهرات. وهى خطوات مهمة للحفاظ على الصحة العامة، ونظافة البيئة، نتمنى أن تستمر معنا طوال العام.
٤- بعض سلوكيات المصريين
هناك بعض العادات الضارة التى اعتاد عليها المصريون مثل استقبال بعضنا البعض بالقبلات والأحضان. وهى طريقة شائعة لنقل الأمراض، خاصة الفيروسات المسببة للأمراض التنفسية ومنها الانفلونزا والكورونا وغيرها. ولقد قامت وزارة الأوقاف المصرية بتوزيع منشورات تحث المواطنين على تجنب كل العادات الضارة ومنها القبلات والأحضان، والاكتفاء بالسلام باليد، أو حتى التحية عن بعد، ودون أى تلامس لمنع انتشار العدوي.
كذلك فهناك توصيات بمنع التجمعات على المقاهى والساحات، وهناك تحذيرات بعدم إقامة أى تجمعات كبرى. ونصائح بالبقاء في المنزل لكل من يشعر بأعراض الإصابة بالبرد أو الإنفلونزا، وهى إجراءات وقائية تساعد على تجنب انتشار العدوى.
وإذا كانت الحاجة هى أم الاختراع، فإن الأزمات هى أم الحاجة. ويجب علينا أن نستغل الأزمة الحالية لتفشى فيروس كورونا المستجد، ونصلح ما يمكن إصلاحه في سلوكنا الشخصى وفى حياتنا اليومية.
حمى الله مصر من كل مكروه وسوء.