الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المجتمعات الذكورية وعمل المرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إنَّ عادات وتقاليد كلِّ مجتمع تحكم تصرفات أفراده، وترسّخ صورًا ذهنية معينة عن العلاقات الاجتماعية داخل عقول الناس ووجدانهم، وعاداتنا وتقاليدنا الشرقية تظلم المرأة ولا تنصفها. وإذا كانت المرأة نصف المجتمع- كما يحلو لنا أن نردد دومًا- فلماذا نحرص أن يظل هذا النصف متخلفًا؟ وهل يتقدم مجتمع ونصفه متخلف؟ لا يكفى أن نقول إن المرأة نصف المجتمع، ذلك أن اضطراب وتخلف هذا النصف لا بدَّ وأن ينعكس على النصف الآخر- الرجل- فيضطرب المجتمع كله، إذ لا يمكننا الزعم بأنه من الممكن أن تكون المرأة وحدها هى المتخلفة، وأنْ يظل الرجلُ متقدمًا. إن تخلف المرأة سيؤدى إلى تخلف المجتمع بأسره، وإن رقيها سيؤدى إلى تقدمه بالكامل.
ينبغى التخطيط لدور المرأة في المجتمع، ذلك التخطيط الذى يجب ألا يقتصر على مجرد إتاحة الفرصة أمامها للتعلم، فكم من متعلمات سلكن سلوك الأميات، إن لم يكن أسوأ في كثير من الأحيان!! الأجدى هو التخطيط لرسم معالم جديدة لحياة الإنسان العربي- رجلًا كان أو امرأة- بطريقة شاملة وكلية، وعلى أسس منهجية، ووفقًا لتخطيط علمى سليم، لأن تخلف المرأة يعطى دلالة واضحة على تخلف الرجل أيضًا، ولا يمكن أن نتصور تقدم الرجال دون النساء، أو أن التفاهم والتجاوب يمكن أن يتم بين نصف بالغ التقدم (هم الرجال) وآخر كامل التخلف. إن هذا الأمر لا يمكن تصوره. 
عالج الدكتور فرج أحمد فرج في كتابه «محاضرات في علم النفس العام»، قضية خروج المرأة إلى العمل، وما ترتب على ذلك من مشكلات، فيقول: «يقتصرُ دورُ المرأةِ في المجتمعات المتخلفة على إشباع مطلبين شهويين لا ثالث لهما، هما الجوع والجنس، هذا هو دور المرأة «ست البيت»، وهذا الدور يحدد لها دوافعها وقيمها ومطالبها واتجاهاتها... إلخ، وهذا الدور الذى ينادى بأن «البيت» هو المكان الذى خُلِقَت له المرأة، إنما يعنى استبعادها من مجال الحياة الإنسانية التى هى في جوهرها عمل اجتماعي منتج يتحقق من خلال تغيير البيئة أو الوسط المادى وتطويعه لاحتياجات الإنسان ومطالبه المتطورة دائمًا».
إن مَنْ ينادى بأنَّ «البيت» هو المكان الذى خُلِقَت من أجله المرأة، إنما يطالب بأن يقتصر دور المرأة في هذه الحياة على الدور البيولوجى الشهوي، ويصبح محور حياتها علاقتها بجسمها من حيث هو موضوع رغبة الرجل، في الوقت الذى يصبح محور حياة الرجل علاقته بعمله، وبالتالى يتحول اهتمامه بجسمه إلى النظر إليه من حيث هو وسيلته للقيام بدور إنتاجي، لذلك لا يتسم جسم الرجل بذلك القدر من الشهوية الذى يتسم به جسم المرأة، بعبارة أخرى يحقق الرجل شعوره بذاته من خلال عمله، وتحقق المرأة شعورها بذاتها من خلال جسدها، وبخاصةٍ مفاتن هذا الجسد. وفى واقع الأمر، يرجع هذا الفارق إلى عزلة المرأة عن مجال العمل طوال حقب تاريخية كاملة، ويتضح هذا بدقة أكثر لدى المرأة البورجوازية في المجتمع الرأسمالي.
من جانب آخر؛ فإن تأكيد أهمية «الموضة» وأنواع الطلاء والأصباغ والحلي... إلخ، والإسراف في إبرازها عن طريق الصحافة، ومختلف أجهزة الإعلام، ودور السينما، والمسرح... إلخ، دليل على ترسيخ الدور القديم للمرأة من حيث هى دمية تتزين لتأسر الرجل وتخلب عقله بمفاتنها الجسمية. إن هذا التقليد الساذج لكل ما يظهر في دول أوروبا الغربية من موضات هو أمر مرفوض، صحيح أننا لا نطالب بإلغاء أنوثة المرأة أو القضاء على كل تزيـُّن وتجمُّـل، ولكننا نرفض النظر إلى المرأة بوصفها مجرد جسد أو دمية، تتزين لإرضاء الرجل، وإشباع غرائزه. فالمرأة إنسان- مثلها مثل الرجل- لها كلُّ الاحترام، لها عقلٌ وفكرٌ ومشاعر، لها مقدرة وإرادة، يجب أن نحترم فيها هذه السمات والخصال كما نحترمها ونقدرها في الرجل. إنَّ المرأة ليست مجرد كائن جنسي، بل هى كائن إنسانى كامل له مطالبه الإنسانية الاجتماعية والذهنية، بجانب مطالبه الجنسية المشروعة، إنَّ المجتمعات السليمة تضع الجنس في موضعه الصحيح من حياة المرأة، بحيث لا يطغى على بقية جوانب حياتها، ودون أن يبتلع حياتها كلها.
إن تحرير المرأة تحريرًا حقيقيًا لا يتأتى إلا بتحرير المجتمع بأسره، رجالًا ونساءً، وتحرير الحياة بجميع جوانبها جسدًا وعقلًا وعملًا منتجًا. إن الكثير مما يبدو لنا أنه من خصائص النساء، أو من خصائص الرجال، هو في حقيقة الأمر نتاج لدور اجتماعي إنتاجى يقوم به المرء رجلًا كان أو امرأة.
ويؤكد الدكتور فرج أحمد فرج أن النظام الاجتماعي أو بعبارة أدق «نظام الملكية» يمثل دعامة لفهم الشخصية بوجه عام، وبالتالى فمن يملك أدوات الإنتاج تختلف شخصيته عمن لا يملك ذلك، وعلى هذا يجب علينا أن نفرق بين وضع المرأة في مصر خلال الستينيات من القرن الماضي، أى وضعها في عصر عبد الناصر الذى سادت فيها ملكية الدولة لأدوات الإنتاج، وعصر السادات ومبارك والعصر الحالى الذى ساده الانفتاح الاقتصادي، وكان المتحكم في السوق حفنة من كبار المستثمرين أغلبهم رجال، منذ ذلك الوقت احتلَّ مفهوم الملكية مكانة كبيرة انعكس على علاقة الرجل بالمرأة، وموقفه منها، بوصفها موضوع ملكية لا بدَّ من الحفاظ عليه والحرص على إخفائه، ومن ثمَّ تصاعدت - منذ ذلك الحين - ظاهرتا الحجاب والنقاب، ولا بدَّ من أنْ نشير إلى حرص أصحاب التيار الدينى على استغلال ظاهرة تحجب المرأة استغلالًا سياسيًا، بوصف هذه الظاهرة معيارًا لقوة هذا التيار وتغلغله في المجتمع، ومن ثمَّ حرص أصحاب هذا التيار على استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتضخيم هذه الظاهرة، والعمل على استفحالها في المجتمع.
نعتقد أنَّه إذا كانت المجتمعات المنغلقة والمتخلفة التى تتسربل برداء الدين - والدين منها براء - تجرد المرأة من إنسانيتها، وتردها إلى مستوى بيولوجى بدائي، مستخدمة في تحقيق ذلك مختلف أشكال القهر والتخويف والوعيد والتهديد بحيث يستقر في وجدان المرأة أنها مجرد جسد يجب إحكام الرقابة وفرض القيود عليه. فإن نقيض ذلك لا يختلف عنه كثيرًا. إذ إن أجهزة الصناعة والتجارة والإعلام في الغرب، وفى المجتمعات التى تقتفى أثرها، تروج للمرأة بوصفها سلعة، تنظر تلك المجتمعات إلى المرأة على أنها مجرد جسد، جسد جميل ومثير وجذاب يجب كشف وإظهار محاسنه ومفاتنه، لتصبح المرأة مجرد دمية جميلة للعرض على الرجال وإثارة إعجابهم. إن النساء يصبحن بهذه الصورة «جوارى العصر الحديث».
ونحن من جانبنا ندين هذين الموقفين المتناقضين من المرأة، ونرى أنه لا بدَّ أنْ يحتلَّ العقل والعمل مكانهما بجوار الجسد. وهكذا نتبين عقم النظرة الخاطئة وسطحيتها وزيفها نحو تحرير المرأة من ظلم الرجل لها، إن تحرير المجتمع بأسره هو تحرير للمرأة والرجل معًا. إن مصير المرأة في المجتمع الإنسانى لا ينفصل عن مصير الرجل.