الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قيود الحرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحرية هي الانفكاك من القيود، ولكن أي قيود ينبغي الانفكاك منها؟ 
بعيدًا عن سياق الحكايات لا بد من شحذ العقل بما يتلاءم مع ما يتم طرحه تباعًا في الحكايات، حتى لا يصطدم العقل بمختلف الاتجاهات، وهذا بمثابة جرعة مكثفة من طريقتي في التعامل والتلاؤم مع المحيط، قد لا يجدها البعض طريقة عملية أو منهجية، ولذا فسأسأل سؤالًا: هل هناك ما هو منطقي في هذا العالم؟ فلماذا تريد مني بعض المنطق؟ 
وعلى الرغم من أنه يبدو أن حكايتنا هذه خارج السياق ولكنها مضمونة في السياق نفسه، وإن لم تجدها بعد في إحدى الحكايات السابقة أو اللاحقة فأنت لم تفهم مغزى تلك الحكايات، ولنترك هذا الموضوع قليلًا ونتحدث عن الحرية. 
من ماذا نريد التحرر؟ الأعراف القبلية أم العادات الموروثة أم استجلاب حداثة غربية باعتباها النموذج الأمثل للتحرر؟ الحقيقة أنهم كل ذلك ولا ذلك، فالتحرر الحقيقي هو تحرر العقل من كافة القيود بلا استثناء أحد منها في البحث عن الحقيقة، التي هي بذاتها نسبية من شخص لآخر، ولكن ذلك التحرر الذي يرغب به البعض عن جهل ينطوي على جهل تام بأبعاد القضية مشكلتها، فالحرية في المعنى المتعارف عليه حاليًا هو حرية الممارسة أو الاعتقاد دون سواها، واعتبار أن الأفكار السلبية ليست من الحرية وكأن الحرية ذات حد واحد فقط، كمثل الرأي الفقهي "أنت حر ما لم تضر"، وبالقياس على ذلك الرأي فإن الحرية هي فعل كل ما تريد ولكن في سياق الفرد نفسه ولا يتعدى ذلك حرية الآخر، ولكن ذلك ليس بتعريف جيد للمفهوم، فالحرية المطلقة أو في معناها المطلق هي التحرر من كل شيء، وفي نفس الوقت إجراء ما يريده الشخص دون كبت لتلك الحرية، فهل الحرية حق مكتسب أم حق معطى؟ 
الحقيقة أن الحرية حق معطى للإنسان منذ وجوده، وقبل حتى تكوين ماهيته، ولكن الإصرار على أن الحرية يتم اكتسابها على قدر العقل الذي بذاته لا يخضع للقياس العام بل بالقياس النسبي على الآخر هو المشكلة بذاتها، فمثلًا الباحث في أحد التخصصات يتم تقييم أبحاثه من قبل أشخاص ليس هم بذاتهم المعيار المطلق للعلم، بل أنهم أحد الأطراف في ذلك العلم، وبذلك حصوله على درجة علمية لا يعني بأنه تم قياسه من جهة العلم بل تم قياسه من أطراف ذلك العلم، ومن يدري ربنا يكون ذلك الباحث هو أحد الأطراف الاقوى منهم في هذا المسلك، ولكن فكرة القياس الإنساني بالإنساني هي محض عبث بكل تأكيد. 
الغريب في الأمر أن الحرية بمعناها المطلق كما في رواية "كاليجولا" لـ الأديب البير كامي هي التصور الأمثل للحرية، وهي حرية الفعل والتحكم والمشيئة، بما أن لشخص ما حرية الفعل في النفس وفي الغير، ولكن على الرغم من ذلك الطرح فإن الحرية تظل محكومة بالعالم، ولا تتعداه، فـ "كاليجولا" لم يستطع إحضار القمر ولا احد يستطيع، فيتضح أن الحرية من شروطها الإمكان والقدرة، وبدونهم لا تكون. 
أما عن المفهوم الغربي للحرية فهو مفهوم مغلوط، انبنى على معلومات مغلوطة عن تكوين سياسي يفرض هو القوانين أيضًا، فلا الحداثة الغربية حرية ولا الحرية بمعناها الممارسي الفقهي المؤثر بقوة في العقل الجمعي العربي صحيح، ولا نعني بذلك أن الحرية العربية أو الغربية مرفوضه إطلاقًا، بقدر ما نقصد أن مفهوم تلك الحرية مشوه نتيجة تأثره بالثقافة المتوارثة عبر الأجيال.
وأيضا على الرغم من أن المفهوم انبنى تحت مظلة دينية إلا أنه اتخذ طابعا سياسيا على مر العصور، فبدلًا من أن يكون هو المصطلح المطلق في الدين من حيث إنه معطى الهي، تم بناؤه من خلال السياسية حتى تطور لمفهوم الثورة، وكأن المفهومين من  أصل واحد، فبعيدًا عن التعريفات الاصطلاحية التي موجودة وبكثرة في ثقافتنا العربية – ولا أعني بذلك تهميشها أو الدعوة لمحوها –والتي ساعدتنا إلى حدٍّ ما على التعرف على أصول الكلمة، إلا أنها لم تحل العديد من المشكلات التي طرأت وتطرأ حالًا ومستقبلًا، لأنها اهتمت بالجانب النظري دون إطلاقه نحو العوام. 
والنتيجة المحصلة النهائية التي لن يختلف فيها أحد أن أي نظام سياسي قائم أو تم إقامته من قبل هو عبارة عن قوانين وتشريعات من شأنها أن تحكم علاقة الفرد بغيره أو بنفسه أو بمجتمعه أو بأي شيء في سبيل المحافظة على الدولة ومكوناتها، ولذا فإن الحرية بمعناها المطلق هو مصطلح فلسفي أو روائي ويمكن حمله أيضًا على الميتافيزيقي أيضًا بما أنه غير قابل للتحقيق في الواقع. 
وفي النهاية أأسف على كون الحكاية قد اتخذت طابع علمي بشكل ما، ولكنها تكشف بشكل ما عن حكاية يتم تداولها مرارًا وتكرارًا على آذان السامعين دون معرفة حقيقية بأبعاد هذا الموضوع، وهنا لم نطرح أي جانب حتى الآن سوى من بعض الأفكار التي ربما وبشكل ما قد تساهم في عملية البحث والتفكير عن الحرية بمعناها الحقيقي، والتفكير أيضا في هل الحرية بمعناها البشري يتحمل إضافة قيود للحرية بمعناها الإجرائي أم لا؟