الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصف مصر الآخر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلق الله الإنسان، وأسكنه الأرض وجعله شعوبا وقبائل، ووزع سبحانه وتعالى الكثير من الصفات البيولوجية كالطول والوزن ومستوى الذكاء وتوزيع الثروة وغيرها، بصورة منحنى، يسمى علميا باسم التوزيع الطبيعى (Normal distribution).
ويعرف هذا المنحنى بأسماء مختلفة منها التوزيع الجرسى لكونه يشبه الجرس، ويعرف أيضًا بمنحنى جاوس، نسبة إلى عالم الرياضيات والفيزياء، الألمانى كارل فريدريك جاوس، والذى أطلقها سنة ١٨٠٩. وفى هذا المنحنى الطبيعى للتوزيع نجد أن ثلثى الصفات البشرية البيولوجية (نحو ٦٦٪) تقع بالتساوى حول نقطة في المنتصف، (ثلث على كل جانب)، وتسمى في علم اجتماع التجمعات البشرية بالطبقة الوسطى. بينما تمثل كل من الطبقتين فوق المتوسطة ودون المتوسطة معا نحو ٢٨٪ ( ١٤٪ لكل منهما). وتقع على أقصى اليمين، وكذلك على أقصى اليسار طبقة، تعادل كل منها اثنين ونصف في المائه تقريبا، وهما الطبقة العليا والدنيا على التتابع.
والمجتمع المصرى مثله مثل باقى المجتمعات البشرية، يتواجد به كل الطبقات، وإن اختلف الوزن النسبى لكل طبقة من عصر إلى آخر. وفى كل الأحوال تبقى الطبقة المتوسطة هى الأكبر والأهم في تطور المجتمع واستقراره. وتقع على الطبقتين فوق المتوسطة والعليا، (وهما يمثلان معا أقل من ٢٠٪)، قيادة المجتمع نحو التقدم والتطور ورسم السياسات التى تساعد على النهوض بالطبقة دون المتوسطة والدنيا، لكى ينعم المجتمع بالتجانس والتكامل والاستقرار. 
وتاريخيا، احتلت مصر قمة التحضر الإنسانى، بفضل عطاء ومجهودات المصريين في كل المجالات، وإن كانت هناك عصور نهضة وتقدم، وعصور أخرى من الاضمحلال والتأخر.
وكل مصرى مهما كانت مكانته، ومهما علا أو قل شأنه في مجتمعه، فهو مصرى ومحسوب على مصر، ويساعد في رسم الصورة العامة للمجتمع المصرى في الداخل والخارج.
ومع يقينى أن الجينات المصرية التى توارثتها الأجيال منذ فجر التاريخ هى جينات أصيلة ورصينة ومثابرة، وأن كل جيل من أبناء المصريين هو امتداد وتطور طبيعى لأجدادنا العظام الذين أذهلوا العالم بقوتهم ودقتهم وفنهم وتفانيهم في عملهم وإخلاصهم لبلدهم. وفى هذا السياق فقد كانت مصر على موعد يوم الخميس الموافق ٢٠ فبراير ٢٠٢٠ بحدثين، وقعا في نفس التوقيت وفى نفس البلد العربى الشقيق، دولة الإمارات العربية المتحدة. الحدث الأول كان تكريم أستاذنا الدكتور مجدى يعقوب في دبى وتحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبى. والحدث الثانى وقع في ملعب محمد بن زايد في أبى ظبى، والذى استضاف قمة السوبر بين فريقى الأهلى والزمالك، وسط حضور نحو 34 ألف مشجع.
الحدث الأول يعكس وجه مصر الحضارى، والحفاوة والترحاب والحب والتقدير الذى يحظى به جراح القلب المصرى العالمى السير مجدى يعقوب، وهو يُمَثِلْ جيلا عظيما من المصريين، تربى وتعلم على العمل الجاد والأخلاق الحميدة، وحقق لنفسه ولبلده احتراما وتبجيلا يناطحان عنان السماء.
والحدث الثانى يعكس ثقافة وسلوك البعض من جيل الشباب، الذى وُلدَ وتربى على الفهلوة والغوغائية، وتحقيق أعلى المكاسب بأقل المجهود. وللأسف الشديد، فقد ساعدت الظروف الاجتماعية التى شهدتها مصر في العقود القليلة الماضية وما صاحبها من تدهور في التعليم، وفقر في الثقافة العامة، وهبوط في الفنون الجميلة والآداب، وترد في وسائل الإعلام، وظهور العشوائيات حول المدن الكبرى، إلى زيادة الوزن النسبى لطبقة المهمشين في المجتمع المصرى. 
ونحمد الله أن قامت القيادة السياسية، ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الأمور، في معالجة أوجه الخلل في التعليم والثقافة، وفى تطوير العشوائيات، وفى الدفع بالمجتمع نحو التطور ومواكبة العصر واللحاق بركب الحضارة، والنهوض بالطبقات المهمشة وتحسين أحوال المعيشة لكل المصريين.
الحدث الأول والذى استضاف السير مجدى يعقوب في دبى، تم خلاله تجميع مبلغ 360 مليون جنيه، من أجل بناء مستشفى خيرى للقلب في القاهرة. الأهم من المبلغ هو ما قاله الحضور عن البعد الإنسانى لاستاذنا الدكتور مجدى يعقوب، بسبب جهوده في العمل الخيرى والإنسانى وإنجازاته الطبية والعلمية، وتاريخه الطويل في إنجلترا، والتى حصل فيها على لقب سير. ثم عودته إلى مصر وافتتاح مركز أمراض القلب في أسوان، لعلاج قلوب المصريين بالمجان. هذا بالإضافة إلى مبادراته الإنسانية وجولاته الخارجية خاصة إلى دول أفريقيا، وقيامه بإجراء جراحات معقدة واستقبال الناس له بحفاوة وترحاب. وبجانب براعته الجراحية، وموسوعته العلمية، فالدكتور مجدى يعقوب إنسان متواضع ومحب للخير والإنسانية جمعاء، وهى صفات جعلته بحق واحدًا من أشهر الأطباء في العالم.
وعلى النقيض من أستاذنا الدكتور مجدى يعقوب، صاحب الأيادى البيضاء على الصعيدين الدولى والمحلى، فقد تصدر المشهد في مجال الرياضة المصرية، مجموعة من الشباب المستهتر الذى فشل في تحقيق أى نتائج ملموسة خلال مباريات كأس العالم في روسيا، وخلال مباريات كأس الأمم الأفريقية في القاهرة. وبصرف النظر عن النتائج الرياضية المخيبة للآمال، فقد كانت سلوكيات بعض اللاعبين والإداريين وحتى بعض الإعلاميين والمسئولين ببعض الأندية الرياضية مشينة، داخل وخارج الملاعب. وبدا واضحا أن البعض منهم قد دأب على تحفيز الجماهير وخلق مناخ مشحون بالتعصب والكراهية، واصطناع مواجهات مع الجهات الأمنية. ولقد تحملت الدولة المصرية وأجهزتها التنفيذية أعباءً كثيرة من أجل استمرار بطولة محلية رياضية ضعيفة المستوى الفنى، ومملة، خاصة عند مقارنتها بأى بطولة أوروبية أو حتى عربية.
وماحدث في مباراة السوبر، وماتلاها من أحداث مؤسفة، لا يمكن تعميمه، فهناك رياضيون مصريون تميزوا بأخلاقهم الحميدة وموهبتهم الفذة مثل لاعبنا الدولى محمد صلاح، ومن قبله محمود الخطيب وحسن شحاتة وغيرهم الكثير في مختلف المجالات الرياضية.
وبرغم كل ما حدث، فقد تم تكريم المحسن وعقاب المسىء. حيث تم تكريم الدكتور مجدى يعقوب ومنحه وشاح الشيخ محمد بن راشد للعمل الإنسانى، واستقبال رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى له. وتم أيضا اتخاذ إجراءات عقابية في شكل حرمان من المشاركة ودفع غرامات مالية من قبل لجنة الانضباط والأخلاق بالاتحاد المصرى لكرة القدم، على مجموعة من اللاعبين والإداريين. كما أوقفت وزارة الأوقاف المصرية الداعية عبدالله رشدى عن العمل، وأحالته إلى التحقيق. وذلك بسبب آرائه الغريبة والشاذة عن استاذنا الفاضل الدكتور مجدى يعقوب. وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا دافعت فيه عن الدكتور مجدى يعقوب، ووصفته بأنه حافظ على جسم الإنسان، وأنه أدى رسالته التى خلقه الله من أجلها بكل شرف وأمانة، ولذا فهو يستحق كل التكريم في الدنيا والآخرة.
ومع الموقف الحازم لكل من الاتحاد المصرى لكرة القدم، ووزارة الأوقاف المصرية، يكون قد نال كل ذى حق حقه. وبين هذا وذاك، وبين الصالح والطالح، وبين القديم بأصالته، والجديد بعفويته تستمر الحياة في بر مصر المحروسة.
ندعو الله العلى القدير أن يحفظ مصر وأهلها، وأن يبعد عنهم كل أنواع الشرور والفرقة والتناحر إلى يوم الدين.