لا شك أن التركيز على تصحيح الفكر الدينى الذى هو فكر البشر في تفسير النص الدينى يعود للأأهمية القصوى والدور المؤثر لهذا الفكر في تكوين الشخصية المصرية، وبالرغم من أن الفكر الدينى له تأثير مباشر على كل أتباع الاديان السماوية والوضعية في كل مكان وكل زمان، ولكن للظروف التاريخية ذات الخصوصية المصرية للدين والتراث الدينى ولتقديس كل ما هو مرتبط بالدين، فيمكن أن نقول إن الفكر الدينى بكل تنويعاته الدينية، سواء في العصور المصرية القديمة أو العصر المسيحى أو العصر الإسلامي، في مصر لعب ولا يزال يلعب دورًا مباشرًا ورئيسيًا في تشكيل الوعى الجماهيرى الذى يمثل البنية الأساسية لتشكيل الشخصية المصرية، ولذا نرى كثيرًا من الممارسات التراثية الدينية والاجتماعية والثقافية التى تحولت إلى عادات وتقاليد وأفكار حاكمة لكل المصريين وقد أخذت بعدًا دينيًا من خلال هذا الفكر الدينى حتى أصبحت تراثًا مقدسًا وكأنه جزء من الدين ومن المقدس، وذلك مثل العادات والتقاليد الخاصة بالموالد والجنازات والمناسبات الاجتماعية، والفكر الدينى هنا قد تأثر ليس بما هو في إطار الدين ولكن في الإطار العام، فالمنطلق الأول للمصريين الدين والفكر الدينى الشيء الذى يجعل هذا الفكر مؤثرًا على كل مجالات الحياة فالسياسى والاقتصادى والمُعلم والمهندس والعامل والفلاح رضع منذ الصغر هذا الفكر وذاك التراث،فاصبح هذا الفكر الموجه العام والمؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الفكر والوعى والسلوك بشكل عام، وهنا لا ننكر ولا أحد يسقط تأثير ذلك التراث الاسطورى والخرافى الذى يحيط بالعالم والبشر منذ البدء، وبالتالى لا ننكر تأثير ذلك التفكير الأسطورى على الوعى الجمعى المصرى منذ البداية، هنا وقد عرفنا ذلك التأثير نقول هل ما هو مطروح، وليس بقليل، من هذا الفكر يساهم في تكوين الشخصية المصرية لما نُريد وما يتوافق مع المتغيرات التطورية التكنولوجية والعلمية والعالمية؟ نعطى بعض الأمثلة لهذا الفكر الخاطئ والسلبى والمؤثر. المعجزات في الإطار المسيحي، المعجزات المسيحية هى المعجزات الإنجيلية التى جاءت بهدف تعليمى عقيدى ولأسباب مبررة أهداف معلومة ولم تكن للاستعراض والتعود وقد ذُكرت في الإنجيل والقرآن، كما أن المعجزة هى معجزة أنها لا تتكرر فالتكرار ينفى عنها الإعجاز، فحياة الإنسان في مسارها الطبيعى هى معجزة المعجزات من حيث تناول الطعام وهضمه ودور القلب في توزيع الدم ودور العقل وغيرها من الوظائف الجسدية طوال العمر، فالتكرار هذا يجعلنا لا نشعر أنه معجزة إلا في حالة المرض، كما أن عقل الإنسان هو معجزة هذا الكون، فكون المعجزات الكتابية جاءت متسقة مع التطور والعلم والثقافة في زمان الاديان فإن المعجزة الآن في إنجازات هذا العقل البشرى الذى أوجده الله أيضًا وخص به الإنسان، فالآن نرى معجزات في الطب والعلوم والتكنولوجيا فاقت الخيال البشرى في الإطار التقليدي، فهل في ضوء هذه المتغيرات الْإعجازية والعقلية التى نتجت عن طريق التفكير بالعقل الذى هو صنيعة الله نتحدث عن معجزات تناول الرمل من أمام قبر أحد القسس في طما الآن؟! كما نسمع عن معجزات أن الصور الدينية خاصة صور السيد المسيح والسيدة العذراء ينزل منها زيت على زجاج الصور فيتقد البشر للتبارك من هذا الزيت، ولا نعلم لماذا ينزل من الصور الزيت تحديدًا؟!، مع العلم أننى شخصيًا في تسعينيات القرن الماضى وفى قرية رزقة الدير بالقوصية كانت هناك من ادعت أن العذراء قد جاءت وأجرت لها عملية جراحية وأعطتها كيس زيت معلق أسفل صورة العذراء، ما جعل الآلاف على مستوى الجمهورية يتدفقون على هذه السيدة مما جعلنى أذهب، منعًا لفتنة طائفية في القوصية، إلى هذه السيدة لأكشف هذه اللعبة واهد المعبد الخرافى الذى نُصب باسم الدين، فهل هذا الفكر وتلك الممارسات تنمى درجة من الوعى الدينى الصحيح؟. بصراحة هذه الممارسات المسكوت عليها من رجال الدين هى نوع من المتاجرة بهذه المعجزات المصنوعة باسم الايمان، فليس كل ممارسة خاطئة نقول إنها إيمان، فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل وفيما يرى من الأعمال الصالحة «ليرو أعمالكم الصالحة فيمجدون أباكم الذى في السماوات».
أما على الجانب الإسلامى فهناك من يتاجر بالدين ويعطى لنفسه قداسة كهنوتية لا وجود لها في الإسلام، فنجد الفتاوى الإسلامية والتعاليم باسم الإسلام للبشر المغيبين لا علاقة لها بدين أو عقل أو فكر صحيح ولا عقل يعمل ويُفكر، وبلا مجاملة فهل يليق أن يخرج من يقول إن الإسلام يقول إن الانتصار على سويسرا يعنى أن يحصل كل مسلم على النساء والرجال والأطفال ويتم بيعهم كعبيد حتى نحل مشكلات الدولة الاقتصادية ؟! وهذا ما يحدث الآن من داعش؟!،وهل يُعقل أن يقول إنسان باسم الدين إنه يجب أن تغطى المرأءة وجهها فوجهها مثل فرجها؟!. أستطيع أن أؤكد أن ذلك ليس من الإسلام، والأمثلة كثيرة وسخيفة ولا تليق مع الإسلام ولا مع مقاصده العليا، فهذه عينة بسيطة من هذا الفكر الدينى المُدمر، ولذا فهذه الممارسات وتلك الأفكار التى أصبحت حاكمة ومقدسة لدى كثيرين لا يمكن أن تنتج وعيًا غير وعى مغيب أسطورى خرافى لا علاقة له بالعلم ولا بالعقل، وكل ذلك نتيجة للأمية القرائية والدينية التى هى بعيدة عن العقل، حيث تستجيب لأفكار خاطئة يُشبعها رجال ينتسبون للدين ظاهريا ولكنهم يعادونه جوهريًا.
لا بد من التوقف عن الاجترار الدينى والثقافى وهو إعادة الكلام دون الإتيان بالجديد، فلنكف عن التقليد الأعمى وإهمال دور العقل والعلم وغياب النقد الذاتى الذى يصحح المسار، الأمر جاد فهذا الفكر هو مكمن التخلف وهو أيضًا سبيل التقدم، ناهيك عن أن الفكر الخاطئ يسىء للدين ومقاصده العليا ويقدس غير المقدس ويهدد سلامة الوطن الذى هو وطن كل المصريين، حفظ الله مصر وشعبها من الفتن والمتاجرين بالدين.