الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وماذاعن تصحيح الفكر الديني؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الفكر الدينى، هو فكر البشر غير المقدس والقابل للصواب وللخطأ في تفسير وتأويل النص الديني، وهذا الفكر يخضع لقدرات وإمكانات وثقافة ونشأة الفقيه والمفسر ورجل الدين في إطار معطيات المكان وما يحيط بالزمان، هنا وبمرور الوقت يتحول هذا الفكر إلى تراث دينى يمتزج ويتأثر ويتداخل مع كثير من التراث والموروثات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية..الخ، ولأهمية الدين في حياتنا فأول ما نتعاطاه منذ الطفولة في المنزل هو ذلك الدين التراثى والموروث على مدى الزمن وتحت مسمى الدين بما يُحدث خلطًا بين هذا الفكر وذاك التراث مع الدين والنص المقدس.
 ويمتد التعاطى مع هذا الفكر في المجتمع المحيط والمدرسة ودور العبادة، وبالرغم من أن دور العبادة، مسجدا كان أو كنيسة، هى نفس الدور وبالرغم من أن النص المقدس هو ذات النص،إنجيل أو قرآن، إلا أن شخصية وثقافة وفكر رجل الدين الذى اعتاد المتدين على الصلاة معه في دور العبادة يؤثر بشكل مباشر في تشكيل وعى وفكر المتلقى الديني، ولا نبالغ إذا قلنا بل تؤثر في فكر المتلقي الديني وغير الديني وذلك لخلط الدينى المقدس بفكر هذا الشخص، وكأن هذا الفكر هو جزء من المقدس، ولذا يصبح تصحيح الفكر الدينى بشكل عام، في كل الأديان بلا استثناء، من تلك الرؤى الشخصية الهادفة إلى منافع ذاتية مادية أو معنوية وعلى رأسها مسمى رجال الدين ضرورة، وعلى ذلك فالمقصود بالفكر الدينى هو ذلك التراث المختلط والموروث عبر الزمان من أفكار ورؤى بشرية غير مقدسة والذى يجب أن نأخذ منه ما هو صالح لزماننا ولمكاننا ولا نتأثر ونُعيد استنساخ ما قد تجاوزه الزمان وتركه المكان خوفًا من أن نكون قد أخطأنا في حق الدين والنص، فهل بعد ذلك نقول إن من هم أسرى لهذا التراث وذاك الفكر ومن يتعايشون ويتواجدون في مواقعهم المميزة التى تتخطى التكريم والاحترام لتصل إلى التقديس، هل يمكن لهؤلاء وهم كُثر أن يقوموا طواعية بتصحيح هذا الفكر وذلك التراث،خاصة أنهم لا يبذلون جهدًا كثيرًا في هذا الإبقاء وذلك الحفاظ على التراث فقداسته قابعة في الضمير الجمعى الدينى للمصريين مسلمين ومسيحيين، ودليل ذلك ففى عصور الاستبداد الكنسى في العصور الوسطى الأوروبية حيث تحول هذا الاستبداد إلى نقيض لكل القيم والمبادئ المسيحية وعن طريق فكر دينى منحرف سُخر لمصالح رجال الدين الذاتية، حتى أنهم سيطروا على السياسى لصالح الدينى الشخصى والذاتي. فهل خضع رجال الدين لأى تغيير أو إصلاح ؟ بالطبع لا. 
ولكن عندما ظهر الفلاسفة والمصلحون والتحديثيون والمستنيرون من الذين فصلوا بين المقدس وغير المقدس، والذين أعملوا عقولهم وفرزوا بين الغث والثمين وبين المعقول والمنقول بداية من ابن رشد الذى أسس لاستنارة أوروبية أنتجت فلاسفة مثل هوبز وبيكون ومونتسيكو وجون لوك وجان جاك روسو، وكان قد سبق الفلاسفة الأوربيين مارتن لوثر 1517 ذلك الراهب والفيلسوف الذى قاد حركة الإصلاح الديني، أى إصلاح الفكر المعوج والخاطئ والمسىء للدين، هنا كان لا بد لرجال الدين الذين يستغلون الدين أسوأ استغلال أن يدافعوا عن مناصبهم وكراسيهم المقدسة قبل دفاعهم عن الدين، فهم يدافعون عن فكرهم وتراثهم الدينى وليس النص المقدس، فالنص ظل باقيًا وإلى الآن وسيستمر ولكن الذى يتغير هو ذاك الفكر الديني، وعلى أرضية الفعل ورد الفعل قامت أسوأ حرب وهى حرب الثلاثين عامًا «1618- 1648» بين الكاثوليك الذين يحافظون على مصالحهم وبين البروتستانت الذين يبشرون بفكرهم الدين الإصلاحى الجديد، وكلاهما يحارب تحت مسمى المسيح والدفاع عن المسيحية !! هنا اضطرت الكنيسة الكاثوليكية إلى الخضوع الجذرى للإصلاح وإلى تغيير الفكر الدينى الخاطئ، ولا زالت الكاثوليكية تأثرًا بالإصلاح وتماشيًا مع عصر النهضة الأوروبى وتوافقًا مع التطور المتسارع عبر الزمان والمكان تُساير الإصلاح والتطور في فكرها الدينى الذى هو غير الدين، فكان المجمع الفاتيكانى الثانى نقلة نوعية وتاريخية في الفكر الدينى وتصحيحه وتطويره وحتى الآن. هذا يجعلنا نستخلص التجربة ونستفيد بالنتائج الخاصة بميكانيزم الفكر الدينى وليس الدين والعقيدة، فالدين هو الدين لصاحبه، والإنسان هو الإنسان في تدينه سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو غير ذلك، فالدين مقدس لصاحبه، ولذا نقول إن تصحيح الفكر الدينى وإن كان يقع جانبه الأكبر على المؤسسات الدينية، خاصة في ظل واقعنا المصرى وعلى ضوء تأثير دور المؤسسات الدينية وسيطرتها على المتدينين، ولكن إلى جانب ذلك لا بد من الإسراع والعمل على تصحيح كل الخطابات والأفكار الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية اعتمادًا وارتكازًا على أرضية عقلانية لا نقلية فقط، واقتناعًا بعدم خلط المقدس بغير المقدس وإسقاط الخوف من إزالة التقديس عن التراث وانتقائه لكى يكون درسًا وخبرة من الماضي وتفعيلًا واقعيًا في الحاضر واستشرافًا لمستقبل أفضل بما يوائم الزمان والمكان.
هذه قضية إستراتيجية ومهمة في الظروف التى يمر بها الوطن، ومن قبل احترامًا للمقدس الحقيقى ونزع القداسة عن غير المقدس، وأيضًا حتى يمكننا أن نحد ونُسقط الخلط بين الدينى والسياسى الذى لا زال يمثل خطورة على الدين ويفسد السياسة فيبعدنا عن النهضة والتطور والتقدم الذى ننشده بشدة لمواجهة التحديات المحيطة بنا من كل اتجاه.
حفظ الله مصر وشعبها العظيم وطنًا لكل المصريين.