الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"خطة السلام".. والبراجماتية السياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد يوم الثلاثاء الموافق ٢٨ يناير ٢٠٢٠، فصلًا جديدًا من كتاب الصراع العربى الإسرائيلي، حيث أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن صفقة القرن لإنهاء الصراع الذى استمر لأكثر من ٧٠ عامًا.. وبرغم أن المعلن من الصفقة قليل، وأن ماخُفى كان أعظم، إلا أن القراءة الأولية للصفقة تدل على أن مهندس الصفقة زوج بنت الرئيس ترامب، جاريد كوشنر وفريقه المعاون قد لجئوا إلى البرجماتية السياسية لحل المشكلات المستعصية، وأغفلوا تمامًا القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، والأخطر من كل ذلك هو إغفال المعتقدات الدينية والموروثات التاريخية لقرابة مليارى مسلم ينتشرون في كل بقاع الأرض.
وفور سماعى بنود الصفقة تذكرت الدكتور بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وهو يقول: «أثناء مفاوضات كامب ديفيد كنت دائما الحديث عن ضرورة احترام القانون الدولى وقرارات المنظمة الدولية، إلى أن جذبنى وزير الخارجية الأمريكى سايروس فانس من يدى وقال لي: «بطرس لو سمحت انسى القانون الدولى وعيش في الواقع». 
ويبدو أن الواقع المؤلم هو ما فرض نفسه على الأرض، فضعف الجانب العربى بصفة عامة والفلسطيني بصفة خاصة، قد ساعدا كوشنر وفريقه على الانحياز إلى الصف الإسرائيلي. 
وبالنظر إلى الحلول التى اتخذتها الصفقة في القضايا الخلافية الخمس الكبرى في الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وهى القدس والمستوطنات والحدود والمياه واللاجئين، فقد جاءت جميعها مخيبة للآمال الفلسطينية والتضحيات التى دفعها الشعب الفلسطينى على مدى الصراع، بل وتؤصل لظهور فصل عنصرى جديد بعد أن تخلص العالم من الفصل العنصرى في جنوب أفريقيا. وببساطة فقد أعطت الصفقة القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وفى رأى أن هذا القرار كان أكبر خطأ في الصفقة، وربما يكون السبب الرئيسى في رفضها في كل من العالمين العربى والإسلامي. وأعطتها كذلك حق ضم المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على الحدود، والسيطرة على غور الأردن وهو الوادى الخصيب ومصدر الحياة والمياه للضفة الغربية. حتى اللاجئين الذين يحلمون بحق العودة، فقد أنهت الصفقة حلمهم إلى غير رجعة.
وبالنظر إلى المكاسب التى أعطتها الصفقة للفلسطينيين، فقد تمثلت في تخصيص ٥٠ مليار دولار لتحقيق مشاريع تنموية لفلسطينى الداخل واللاجئين، معظمها تدفعه الدول الخليجية. وكذلك تجميد بناء مستوطنات جديدة في الأرض المحتلة لمدة ٤ سنوات. وإقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة والقطاع وهو ما يعادل ربع أرض فلسطين التاريخية. واختيار عاصمة للدولة الفلسطينية خارج القدس الشرقية في ابى ديس أو آى مكان آخر. وإنشاء رابط بين غزة والقطاع سواء كان تحت الأرض في شكل أنفاق أو فوق الأرض في شكل كباري. وحزمة مكاسب اقتصادية للأردن مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين وتخليهم عن حق العودة. وبالنسبة لمصر وسيناء، فقد خلت الصفقة المعلنة من ذكر أى تخلى عن أراض في سيناء، لاستيعاب التكدس السكانى في قطاع غزة. ويرجع الفضل في ذلك إلى الموقف الثابت الذى تبنته مصر حكومة وشعبًا، منذ إنشاء دولة إسرائيل، وهو عدم المساس بأى شبر من أرض سيناء مهما كانت كل المغريات المادية والسياسية. وحتى عندما تطرقت بعض تقارير عن إنشاء محطات توليد طاقة في سيناء لإمداد قطاع غزة بالكهرباء، أو محطات لتحلية المياه، أو مطار أو خلافه، كانت كلها تؤكد على سيطرة مصر الكاملة على أرض سيناء، وأن كل التسهيلات والمشاريع بموافقة مصر وتحت سيطرتها الكاملة.
وبتحليل موضوعى للصفقة يتضح أن الفريق الذى قام بالإعداد لها قد اتخذ حلولًا برجماتية، دون مراعاة لأى حقوق قانونية أو دينية. وأنها لاتنهى الصراع، بل تؤججه خاصة فيما يتعلق بملف القدس الشرقية والمسجد الأقصى الشريف، والذى أسندت إدارته إلى الأردن، رغم إعلان الأردن صراحة أنه لا يريد ذلك ولا يسعى إليه. وبرغم الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وبدون حدود جغرافية واضحة المعالم، وبدون القدس الشرقية عاصمة لها، فإن ذلك لايحقق الحد الأدنى لطموحات الشعب الفلسطيني، بينما تحقق كل آمال وأحلام الشعب الإسرائيلي.
وفى هذا السياق، لا بد هنا أن نتذكر تضحيات الشعب المصرى وأرواح الشهداء الذين قدمتهم مصر لنصرة الشعب الفلسطينى منذ إنشاء دولة إسرائيل. كما نتذكر أبطال الجيش المصرى الذين حققوا النصر المبين في حرب أكتوبر ١٩٧٣. ومع مرور الأيام يتجلى واضحا عبقرية الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام. والدور الوطنى للرئيس مبارك، ورغم كل اختلافنا معه، فيجب أن نعترف أنه قد حافظ على كل متر في سيناء، واسترد طابا بالتحكيم أمام المحكمة الدولية، ورفض التفريط في أى أرض مصرية، رغم كل المغريات التى عُرضت عليه والتهديدات التى وُجهت إليه.
ويبقى الفضل في تنمية سيناء، والانتشار العسكرى في كل ربوعها، وربطها بالوادى والدلتا من خلال عدة أنفاق وكباري، والتصدى بقوة وعزيمة لكل المحاولات الإرهابية لترويع أهلها، أو السيطرة عليها من قبل جماعات متطرفة وبمساعدات إقليمية ودولية، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي. 
ويومًا بعد يوم تثبت القيادة السياسية المصرية بُعد نظرها وقراءتها الجيدة للمشهد الدولي، ووعيها بالمخاطر والمؤامرات والتربيطات التى تحيط بنا، وبالمعرفة الدقيقة لموازين القوى في المنطقة، وإقناع الجميع أن أرض سيناء المصرية ليست للبيع أو الإيجار، وهو ما بات جليًا للجميع بعد الإعلان عن صفقة القرن.
وكما كان متوقعًا فقد رفضت الدول العربية الصفقة في اجتماع لوزراء الخارجية العرب يوم السبت الموافق الأول من فيراير. كما رفضتها منظمة التعاون الإسلامي، وأن الصفقة بشكلها الحالى لن تجلب السلام والرفاهية للمنطقة، بل بالعكس ربما تجلب لها الحروب والدمار.
وقد أثبتت حقائق التاريخ أن أى تسوية تقوم على أساس فرض الأمر الواقع، ولا تحقق الحق والعدل لا تدوم طويلا. وأقرب مثال لذلك هو ماحدث من تسويات غير عادلة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والتى أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، والتى كانت أشد ضراوة ودموية من الحرب الأولى.
وفى كل النزاعات الدولية، وخاصة عندما تكون المعتقدات الدينية جزءا منها، لا يمكن أن يكون الحل البرجماتى المبنى على موازين القوى هو المرجعية، بل يجب أن تكون المرجعية هى القوانين الدولية والعدالة والموضوعية ومراعاة شعور ومعتقدات الآخرين.
ندعو الله العلى القدير، أن يعم السلام العادل والشامل على المنطقة، وأن تتعاون كل القوى الدولية لتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة للجميع، بعيدًا عن العنصرية ودعاوى التعالى والغطرسة وفرض الهيمنة وسياسة الأمر الواقع، قولوا يارب.